قرارات البنك الأهلي الجديدة تثير غضب المدخرين.. خفض العائد ووقف الشهادات الدولارية يهددان الاستقرار المالي للأسر
في خطوة جديدة أثارت موجة من الانتقادات بين خبراء الاقتصاد والمواطنين، أعلن البنك الأهلي المصري، أكبر البنوك الحكومية في مصر، وقف إصدار الشهادات الدولارية ذات العائد الممنوح بالجنيه، إلى جانب خفض العائد على الشهادات البلاتينية الثلاثية بنسبة 1%، وتغيير العائد على الشهادة البلاتينية ذات العائد الشهري بالنسبة نفسها. تسري هذه التغييرات اعتبارًا من الثلاثاء 27 مايو 2025، وتشمل جميع فروع البنك وكافة تطبيقاته الإلكترونية.
هذه القرارات تأتي ضمن سلسلة متواصلة من التعديلات التي طالت سوق الشهادات الادخارية في مصر خلال الأشهر الأخيرة، في ظل حالة من الغموض والارتباك في إدارة السياسة النقدية، وتثير تساؤلات حول قدرة الحكومة والبنك المركزي على حماية المدخرين وتحقيق الاستقرار النقدي في ظل تصاعد التضخم وتراجع قيمة الجنيه.
خلفيات القرار: من شهادات مرتفعة العائد إلى خفض جديد
لم يكن قرار وقف الشهادات الدولارية وخفض عوائد الشهادات البلاتينية مفاجئًا للمراقبين. فقد سبق للبنك الأهلي وقف العمل بالشهادات مرتفعة العائد (23.5% شهريًا و27% سنويًا) في أبريل الماضي، بعد أن جذبت وحدها أكثر من 1.3 تريليون جنيه من السيولة المحلية خلال 15 شهرًا، منها 888 مليار جنيه في البنك الأهلي وحده. هذه الشهادات كانت ملاذًا لملايين المصريين الباحثين عن حماية مدخراتهم من التآكل بفعل التضخم المتسارع وارتفاع الأسعار.
لكن مع بدء دورة التيسير النقدي وخفض البنك المركزي أسعار الفائدة الأساسية بنسبة 1% في اجتماعه الأخير، سارعت البنوك الحكومية إلى تقليص العوائد على الشهادات الادخارية، في خطوة وصفها كثيرون بأنها “صدمة جديدة” للمدخرين، خاصة أصحاب الدخول الثابتة وكبار السن الذين يعتمدون على هذه العوائد في معيشتهم اليومية.
تفاصيل التعديلات الجديدة على الشهادات
- الشهادة البلاتينية ذات العائد الشهري: خفض العائد بنسبة 1% ليصبح أقل من المستويات السابقة.
- الشهادة البلاتينية الثلاثية ذات العائد المتناقص: خفض العائد بنسبة 1% في جميع دوريات الصرف.
- إيقاف إصدار الشهادات الدولارية ذات العائد بالجنيه المصري بشكل كامل.
- استمرار شهادات بعائد متدرج: السنة الأولى 23%، الثانية 19%، الثالثة 15% شهريًا، أو 27%، 22%، 17% سنويًا، مع الحد الأدنى للشراء 1000 جنيه.
تحليل نقدي: من المستفيد ومن الخاسر؟
تدافع الحكومة والبنك المركزي عن هذه القرارات باعتبارها ضرورية لمواكبة التطورات الاقتصادية وخفض تكلفة الأموال على البنوك، لكن الواقع يكشف أن المواطن البسيط هو المتضرر الأكبر. مع كل خفض جديد في العوائد، تتقلص القدرة الشرائية للمدخرين، ويضطر الكثيرون إلى البحث عن بدائل أقل أمانًا أو حتى استنزاف مدخراتهم لمواجهة أعباء المعيشة المتزايدة.
اللافت أن الحكومة لجأت إلى طرح شهادات مرتفعة العائد (وصلت إلى 27%) في بداية 2024 لامتصاص السيولة وكبح التضخم بعد موجة تحرير سعر الصرف، لكنها سرعان ما عادت لتقليص هذه العوائد، متجاهلة أن التضخم لا يزال مرتفعًا وأن الفائدة الحقيقية (العائد بعد خصم التضخم) تظل سلبية أو شبه معدومة بالنسبة لمعظم المدخرين.
انعكاسات القرار على الاقتصاد والمجتمع
- تراجع جاذبية الادخار بالجنيه المصري، ما قد يدفع بعض المواطنين للبحث عن ملاذات بديلة مثل الذهب أو الدولار، ويزيد الضغط على سوق الصرف.
- انخفاض دخل أصحاب الشهادات، خاصة المتقاعدين وأصحاب الدخول الثابتة، ما يهدد بتراجع الاستهلاك المحلي وزيادة معدلات الفقر.
- استمرار فقدان الثقة في السياسات المصرفية، خاصة مع غياب الشفافية حول مستقبل العوائد وغياب رؤية واضحة لحماية المدخرين من موجات التضخم القادمة.
- زيادة التفاوت الاجتماعي، حيث يستفيد المستثمرون الكبار من أدوات مالية أكثر تعقيدًا بينما يتحمل المواطن العادي العبء الأكبر من تقلبات السياسات.
خلفية أوسع: سياسة نقدية مرتبكة وتضخم مستمر
جاءت هذه القرارات في سياق خفض البنك المركزي المصري أسعار الفائدة لأول مرة منذ أكثر من أربع سنوات، في محاولة للسيطرة على التضخم الذي تباطأ نسبيًا، لكنه لا يزال عند مستويات مرتفعة مقارنة بالسنوات السابقة. فقد سجل معدل التضخم الأساسي 10% في فبراير 2025 مقابل 22.6% في يناير من نفس العام، لكن أسعار السلع والخدمات الأساسية لا تزال مرتفعة بشكل يؤثر على حياة ملايين الأسر المصرية.
ورغم تبرير الحكومة أن خفض الفائدة يهدف إلى تحفيز الاستثمار وخفض تكلفة الاقتراض للشركات، إلا أن غياب سياسات حماية اجتماعية فعالة يجعل الفئات الأكثر هشاشة تدفع الثمن فورًا، في حين تظل المكاسب الاقتصادية المستقبلية غير مضمونة في ظل بيئة اقتصادية مضطربة.
مقارنة بين الشهادات السابقة والحالية
- الشهادات السنوية (2024): عائد 23.5% شهريًا أو 27% سنويًا، جذبت 1.3 تريليون جنيه استثمارات.
- الشهادات الثلاثية (2024): عائد متناقص (30%، 25%، 20%)، تم تخفيضه في 2025 إلى (28%، 23%، 18%) سنويًا أو (24%، 20%، 16%) شهريًا.
- الوضع الحالي (2025): الشهادات الثلاثية ذات العائد الثابت (21.5%) والمتغير (23%) تظل الأكثر جاذبية، مع استقرار العائد الشهري عند مستويات أقل من العام الماضي.
هل هناك بدائل حقيقية؟
يرى بعض الخبراء أن خفض الفائدة قد يدعم الاستثمار على المدى الطويل من خلال تقليل تكلفة الاقتراض للشركات، لكن غياب سياسات حماية اجتماعية فعالة يجعل الفئات الأكثر هشاشة تدفع الثمن فورًا، بينما تظل المكاسب الاقتصادية المستقبلية غير مضمونة في ظل بيئة اقتصادية مضطربة. كما أن تراجع العائد على المدخرات قد يدفع المواطنين للبحث عن بدائل مثل الذهب أو العقارات أو حتى العملات الأجنبية، ما قد يفاقم الضغوط على سوق الصرف ويزيد من تقلبات الاقتصاد الكلي.
خلاصة نقدية
قرارات البنك الأهلي الأخيرة ليست سوى انعكاس لحالة من الارتباك في إدارة السياسة النقدية بمصر، حيث يدفع المواطن وحده ثمن التغيرات المفاجئة وغياب الرؤية الاستراتيجية. وبينما تروج الحكومة لفكرة “إعادة التوازن” للأسواق، يبقى السؤال: إلى متى سيظل المواطن البسيط هو الحلقة الأضعف في معادلة الإصلاح الاقتصادي؟ وهل ستستمر الحكومة في تحميل المصريين كلفة السياسات المتخبطة دون حلول حقيقية لمواجهة التضخم وحماية المدخرات؟











