تشهد العلاقات السورية–الإسرائيلية تطورات متسارعة وغير مسبوقة منذ تولي أحمد الشرع رئاسة سوريا عقب سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024. فبعد عقود من العداء الرسمي وحالة الحرب المستمرة، بدأت مؤشرات متعددة تلوح في الأفق تشير إلى احتمال فتح مسار تطبيعي بين الطرفين، في خطوة تثير تساؤلات حول مستقبل السياسة الإقليمية لسوريا الجديدة.
تسليم وثائق إيلي كوهين: خطوة رمزية تحمل دلالات سياسية
في خطوة مفاجئة، أعلنت إسرائيل في مايو الجاري استعادة نحو 2,500 وثيقة ومقتنيات شخصية تعود للجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي أعدم في دمشق عام 1965. وبحسب مصادر إسرائيلية، جرت العملية بمساعدة جهاز استخبارات أجنبي لم يعلن عنه.
لكن مصادر مقربة من القيادة السورية كشفت أن التسليم تم بموافقة مباشرة من الرئيس أحمد الشرع، وصف بأنه “بادرة حسن نية” تهدف إلى تهدئة التوتر مع إسرائيل، وإرسال إشارات إيجابية إلى الإدارة الأمريكية.
الوثائق، التي تضم وصية بخط اليد وصورا مع مسؤولين سوريين وجوازات مزورة، كانت محفوظة في الأرشيف السوري لعقود، ويعتقد أن تسليمها يمثل أول تفاعل عملي بين سوريا وإسرائيل منذ أكثر من 50 عاما.
وساطات إقليمية ومفاوضات خلف الكواليس
بالتوازي مع هذه الخطوة، كشفت تقارير إعلامية عن سلسلة محادثات سرية عقدت في إسطنبول وباكو خلال شهري أبريل ومايو 2025، بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين، برعاية إماراتية وتركية.
ووفقا لتقارير شبكة CNN ووكالة رويترز، شارك في بعض هذه اللقاءات مسؤولون عسكريون إسرائيليون رفيعو المستوى، مثل رئيس مديرية العمليات في الجيش الإسرائيلي اللواء عوديد باسيوك، إلى جانب ممثلين عن الحكومة السورية، في محادثات وصفت بـ”العملية” و”المركزة على التهدئة”.
تركزت المفاوضات على ثلاث محاور رئيسية:
ضبط التصعيد العسكري على الحدود.
تقليص الوجود الإيراني في سوريا.
مناقشة انضمام سوريا إلى اتفاقيات إبراهيم، مقابل رفع جزئي للعقوبات الغربية.
نشاط دبلوماسي متسارع: لقاءات مع مسؤولين أمريكيين وفرنسيين
تزامنت هذه التحركات مع زيارات رفيعة إلى دمشق من قبل وفود أمريكية وأوروبية. ففي أبريل، التقى عضوا الكونغرس الأمريكي كوري ميلز ومارلين ستوتزمان بالرئيس السوري، وأكدا بعد اللقاءات أن الشرع “منفتح على التطبيع مع إسرائيل ضمن شروط”، أبرزها الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ورفع العقوبات.
كما أقر الرئيس السوري، خلال لقائه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس في 7 مايو، بأن بلاده “تجري مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل عبر وسطاء”، وذلك في مسعى “لمنع التوتر من الخروج عن السيطرة”.
الإعلام كبوابة للتطبيع: “سانا” بالعبرية
في تطور لافت، أعادت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” إطلاق خدمتها الإخبارية باللغة العبرية في مايو، بعد توقف دام أكثر من عقد.
الخطوة ربطت مباشرة بالتحولات السياسية الجارية، واعتبرها مراقبون محاولة لتأطير خطاب رسمي جديد تجاه إسرائيل، وتمهيدا لتواصل إعلامي مباشر مع الرأي العام الإسرائيلي.
زيارات سرية وتكهنات إسرائيلية
صحيفة هآرتس الإسرائيلية تحدثت عن زيارة “سرية” قام بها وفد سوري رفيع إلى إسرائيل نهاية أبريل، حيث أجرى محادثات مع مسؤولين أمنيين.
ورغم غياب أي تأكيد رسمي من الطرفين، فإن تكثف هذه الأنباء يعزز فرضية وجود اتصالات مباشرة موازية للقنوات غير الرسمية.
الرأي العام السوري: انقسام شعبي حول التطبيع
بحسب استطلاع رأي أجراه “مركز مدى للدراسات”، أبدى 46% من السوريين رفضهم لأي اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، بينما وافق 39.88%، وعبر 13.76% عن عدم اهتمامهم.
كما أظهر الاستطلاع أن إسرائيل لا تزال تعتبر “التهديد الأكبر لأمن سوريا”، وفق 76% من المشاركين.
موقف إسرائيل: ترقب وتوجس
رغم المؤشرات الإيجابية، تبقى إسرائيل حذرة في تعاطيها مع النظام الجديد في دمشق. مسؤولون إسرائيليون اتهموا الشرع بالتطرف، مستندين إلى ماضيه الجهادي، رغم مواقفه الأخيرة المنفتحة.
وعلى الأرض، لم تتوقف الغارات الإسرائيلية داخل سوريا، واستهدف آخرها موقعا بالقرب من القصر الرئاسي في دمشق، ما يعكس استمرار حالة التأهب العسكري على الحدود الشمالية.










