في خطوة أثارت جدلا واسعا على الصعيدين السياسي والاقتصادي، أعلنت وزارة المالية السورية، يوم 20 يوليو/تموز 2025، إيقاف تجديد ترخيص شركة “طلال أبو غزالة وشركاه” في سوريا حتى إشعار آخر، استنادا إلى ما اعتبرته “إساءة لتضحيات الشعب السوري”، على خلفية تصريحات إعلامية أدلى بها رجل الأعمال الأردني طلال أبو غزالة خلال مقابلة مع قناة “المشهد” قبل أيام.
خلفية القرار: تصريح ومادة دستورية غامضة
القرار صدر بتوصية من مجلس المحاسبة والتدقيق، استنادا إلى المادة 49 من الإعلان الدستوري الذي أقرته السلطة الجديدة بقيادة أحمد الشرع.
ورغم غياب النص الكامل للمادة في المصادر الرسمية، تشير التصريحات الحكومية إلى أنها تتعلق بحماية “كرامة الشعب السوري ومنع الإساءة إلى تضحياته”.
وفي المقابلة، أنكر أبو غزالة بعض الجرائم المنسوبة للنظام السابق، واعتبر العديد من المشاهد المتداولة “فبركات إعلامية”، وهو ما اعتبرته الحكومة الجديدة موقفا يخالف روايتها الرسمية لما جرى خلال سنوات الحرب.
وزير المالية يوضح: لا تساهل مع من ينكر “التضحيات”
وقال وزير المالية محمد يسر برنية إن القرار لا يطال العقود القائمة لشركة أبو غزالة، والتي ستستمر حتى نهاية العام الجاري، لكن لن يتم تجديد الترخيص، كما سيتم إبلاغ المؤسسات الدولية بتحفظ سوريا على التعامل مستقبلا مع أي جهة تتعاقد مع الشركة.
وشدد برنية على أن السلطات الجديدة “لن تتهاون مع من ينكر تضحيات السوريين”، مؤكدا أن القرار “سيادي ويأتي في إطار احترام دماء الضحايا وبناء ذاكرة وطنية صحيحة”.
محللون: عدالة انتقالية أم انتقام سياسي؟
العدالة الانتقالية تهدف عادة إلى كشف الحقيقة، محاسبة المسؤولين، وإنصاف الضحايا في مجتمعات ما بعد النزاع. لكن قرار إيقاف ترخيص شركة أبو غزالة يسلط الضوء على الوجه الآخر من هذه العدالة: استخدامها المحتمل لتصفية الحسابات السياسية أو إسكات الآراء المخالفة.
يرى بعض الحقوقيين أن استناد القرار إلى مادة دستورية غير واضحة، يفتح الباب لتأويلات سياسية أكثر من كونه تطبيقا قانونيا نزيها.
واعتبر آخرون أن طلال أبو غزالة لم يهاجم الثورة أو ضحاياها، بل عبر عن موقف تحليلي تجاه ما وصفه بـ”التهويل الإعلامي”، مما لا يرقى إلى مبرر لإلغاء نشاط اقتصادي قائم منذ أكثر من 20 عاما في البلاد.
مخاوف على الاستثمار
قرار وزارة المالية لم يقتصر على سحب الترخيص، بل تضمن شرطا إضافيا يحظر على أي شركة راغبة في الاستثمار بسوريا التعاقد مع شركات أبو غزالة كشرط للحصول على رخصة عمل. وهو ما اعتبره اقتصاديون تدخلا غير مسبوق في آليات السوق، يهدد البيئة الاستثمارية في مرحلة إعادة الإعمار.
ويقول خبير اقتصادي مقيم في بيروت:”سواء اختلفنا أو اتفقنا مع أبو غزالة، فإن فرض قيود سياسية على عقود الشركات يعطي إشارة سلبية جدا للمستثمرين الدوليين حول استقلالية الاقتصاد في سوريا”.
السياق السياسي لحكومة الشرع
تقدم الحكومة السورية الجديدة، بقيادة أحمد الشرع، نفسها كقوة إصلاحية تسعى إلى محاسبة رموز النظام السابق وبناء دولة قانون وعدالة. غير أن بعض المراقبين يرون أن محاولات إثبات هذه “الشرعية الأخلاقية” قد تنزلق إلى تصفية حسابات سياسية، خاصة ضد شخصيات لم تكن على علاقة مباشرة بالنظام السابق، ولكنها تتبنى مواقف لا تتماشى مع رواية السلطة الجديدة.










