رغم أن الرياح الدولية تنفخ في أشرعة السودان.. إلا أن لسان حال بلادنا، كما يقول الشاعر بتصرف: (تأتي الرياح بما تشتهي السفن).. ولكن سفينة السودان راسية على البر، غير قادرة على الإبحار..
منذ دخلت قوات التمرد إلى مدينة الفاشر، وطوفان الدماء الذي سال بنصالها.. توالت الإدانات من كل فج عميق.. الدول والمنظمات كافة. وأمس، عبر مجلس حقوق الإنسان بقوة عن حجم المأساة المروعة.. وأصدر قراراً بتشكيل لجنة تقصي أممية لرصد وتوثيق جرائم التمرد، متوعداً بالمحاسبة.. أكثر كثيراً مما كنا نحلم.. ومع ذلك، فإن الغائب الحاضر هو السودان نفسه.
وكأنما كل هذه الرياح الدولية تنفخ في أشرعة هايتي أو دولة أخرى لا علاقة للسودان بها.. همة دبلوماسية ضعيفة، وخطاب حكومي كسول خامل.. وانكفاء على الذات، كأنما بلادنا تنتظر السماء تمطر ذهباً وفضة.
العام الماضي 2024، عندما دعت الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية لجولة مفاوضات في سويسرا.. كتبت وتحدثت كثيراً أن الاستجابة للمجتمع الدولي، والانخراط معه في جهوده لحل أزمة الحرب في السودان، أول ما يحققه هو أن تكون بلادنا في وضع دبلوماسي متميز، قادر على استثمار العلاقات الخارجية لدعم مجهود الجيش العسكري في المحافظة على سيادة البلاد.. الأمر يتجاوز كونها مفاوضات مع التمرد إلى أبعد من ذلك كثيراً.. بل كتبت بالحرف وقتئذ أن ذهاب السودان إلى مفاوضات سويسرا بمثابة حوار مع العالم وليس التمرد.. لكن بكل أسف، قيادة البلاد لم تكن قادرة على الخروج من المألوف منذ بداية الحرب، سلسلة الـ«لاءات» التي لا تقبل منطقاً ولا تطرح بديلاً..
الآن، في زخم التعاطف العالمي القوي مع السودان.. لا تزال الحكومة عاجزة عن الحركة، ووزير خارجيتها يقسم بالله أن لا رجاء في المجتمع الدولي.. ويستمر في مهامه كأنما لم يكتب بذلك استقالته من منصبه الذي يفترض أنه معني بالعلاقات الخارجية مع المجتمع الدولي ذاته الذي يشهر يأسه منه.
بينما الخطاب الحكومي يكرر عبارة «إعلان التعبئة العامة» كأنما البلاد أساساً لا تعيش حالة تعبئة عامة.. والمثير للدهشة لا شيء عملياً ينبئ بهذا الخطاب سوى حزمة «لايكات» في الوسائط ممن يطربون للنغمة.
تصورت أن تكون للسودان عقلية دولة قادرة على التفكير في سياسة دولية رشيدة تحقق تواصلاً منتجاً مع اللاعبين المؤثرين في الملف السوداني.. وانفتاحاً بلا حدود على ما يساعد في إطفاء الحريق والتطلع لشراكات في مرحلة البناء..
للأسف.. تأتي الرياح بما تشتهي السفن.. فتجدها راسية في البر..
بل رابضة في الصحراء..










