مدير المرصد السوري يدعو لمحاسبة المسؤولين عن المجازر الطائفية في الساحل السوري
كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان عن وقوع عشرات المجازر الطائفية في مناطق الساحل السوري والمناطق الجبلية المحيطة به خلال شهر آذار/مارس الماضي، مطالباً بمحاسبة جميع المسؤولين عن هذه الأعمال. وقد أشار مدير المرصد رامي عبد الرحمن إلى أن عدد الضحايا المدنيين من أبناء الطائفة العلوية بلغ نحو 1400 شخص، محذراً من أن عدم محاسبة المسؤولين سيؤدي إلى كارثة حقيقية على الشعب السوري.
تطور الأحداث الدموية في الساحل السوري
بدأت الأحداث الدموية في الساحل السوري في السادس من آذار/مارس 2025، عندما شن مسلحون من الطائفة العلوية هجمات ضد قوات وزارتي الداخلية والدفاع السورية. تلت هذه الهجمات عمليات انتقامية واسعة النطاق استهدفت المدنيين العلويين في مناطق الساحل السوري وجباله، متحولة إلى ما وصفه المرصد السوري بـ”عمليات قتل وإعدامات ميدانية وعمليات تطهير عرقي”.
وفي غضون 72 ساعة فقط من بداية هذه الأحداث، تم توثيق نحو 40 مجزرة طائفية راح ضحيتها 973 مواطناً سورياً، بينهم نساء وأطفال، وفقاً لما أعلنه المرصد السوري لحقوق الإنسان في التاسع من آذار/مارس. وأشار المرصد إلى أن هذه المجازر شملت مناطق مختلفة في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة.
توسع نطاق المجازر
استمرت أعمال العنف في الأيام التالية، حيث أعلن المرصد السوري في الحادي عشر من آذار/مارس ارتفاع عدد المجازر إلى 47 مجزرة وارتفاع عدد الضحايا إلى 1225 شهيداً مدنياً. وقد تركزت هذه المجازر بشكل رئيسي في محافظتي اللاذقية وطرطوس، بالإضافة إلى محافظتي حماة وحمص.
وثّق المرصد توزع الضحايا حسب المحافظات على النحو التالي: 658 في اللاذقية، 384 في طرطوس، 171 في حماة، و12 في حمص. كما أشار إلى أن محافظة اللاذقية جاءت في المرتبة الأولى من حيث عدد الضحايا، تلتها طرطوس، ثم حماة، وأخيراً حمص.
حصيلة الضحايا والمجازر الطائفية
في مقابلة أجراها مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن مع “النشرة” في السابع عشر من آذار/مارس، أوضح أنه حتى ذلك التاريخ تم توثيق مقتل نحو 1400 مدني من أبناء الطائفة العلوية، بالإضافة إلى شخصين مسيحيين ونحو 20 شاباً من الطائفة السنية كانوا قد حملوا السلاح للدفاع عن مناطقهم.
وأشار عبد الرحمن إلى أنه لا يمكن الحديث عن رقم نهائي لعدد الضحايا أو عدد المجازر التي وقعت في الساحل السوري، مؤكداً وجود الآلاف من المفقودين الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً، خاصة بعد إغلاق المناطق المتضررة بشكل كامل.
طبيعة الإعدامات والانتهاكات
أكد المرصد السوري أن الموثق لما حصل في الأيام الثلاث الأولى هو إعدام 1400 شخص من العلويين ميدانياً، وليس خلال اشتباكات أو نتيجة قصف جوي، مشيراً إلى قرى بأكملها أبيد الشباب فيها. كما تحدث عبد الرحمن عن عمليات نهب وحرق للمنازل والمحلات التجارية، موضحاً أن هناك قرى نهبت وأحرقت بشكل كامل بهدف منع العلويين من العودة إلى ممتلكاتهم.
المسؤولية عن الأحداث والمطالبة بالمحاسبة
الجهات المسؤولة عن المجازر
حدد مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن جهتين تتحملان المسؤولية عن الأحداث الدموية: الأولى هي المسلحين أو المتمردين الذين بدأوا العملية العسكرية، والثانية هي من دعا إلى الجهاد في المساجد. كما أشار إلى مسؤولية السلطة (الدولة) عن كل ما حدث، معتبراً أنه إذا كانت غير قادرة على ضبط الأوضاع، فهذا يعني وجود كارثة.
الدعوة إلى المحاسبة والتحذير من التكرار
حذر عبد الرحمن من إمكانية تكرار هذه المجازر في حال عدم معالجة الموضوع بشكل جدي، مؤكداً ضرورة إيقاف ما حصل بشكل كامل ومحاكمة المسؤولين عن عمليات القتل. وأعرب عن عدم ثقته بما أعلنته السلطات عن التوجه نحو المحاسبة، خاصة في ظل وجود علامات استفهام حول بعض أعضاء اللجنة التي تم الإعلان عنها للتحقيق في الأحداث.
كما انتقد عبد الرحمن محاولات تسخيف الموضوع، مشيراً إلى تصريح أحد المتحدثين باسم الجيش الذي وصف ما حدث بأنه “حوادث فردية”، متسائلاً: “إذا كانت هذه حوادث فردية، فما هي الحوادث الممنهجة؟ هل كان المطلوب إبادة الطائفة العلوية بأكملها؟”
الموقف الدولي والعربي من الأحداث
تباين المواقف الدولية والعربية
أشار مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن الموقف الدولي كان أفضل من الموقف العربي “بمراحل” تجاه ما حدث في الساحل السوري. وانتقد الموقف العربي قائلاً إنه يتذرع بعدم الرغبة في “خدمة إيران”، متجاهلاً حقيقة أن ما حصل بحق العلويين هو “مقتلة” بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
ولفت عبد الرحمن إلى أن المرصد السوري، رغم كونه الجهة الأكثر إطلاعاً على الموضوع والتي تقدم كافة المعلومات عنه، لم يتم التواصل معه من قبل أي جهة في السلطة.
ضرورة المحاسبة لمنع كارثة أكبر
يتبين من خلال الأحداث المأساوية التي شهدها الساحل السوري والمناطق الجبلية المحيطة به ضرورة اتخاذ إجراءات جادة لمحاسبة جميع المسؤولين عن أعمال القتل والإعدامات الميدانية التي استهدفت أبناء الطائفة العلوية. وقد حذر مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان من أن عدم المحاسبة قد يؤدي إلى تكرار هذه المجازر وحلول كارثة حقيقية على الشعب السوري.
إن الأرقام المرتفعة للضحايا وشهادات الشهود تؤكد حجم المأساة التي وقعت في آذار/مارس 2025، والتي لا يمكن تجاهلها أو التقليل من شأنها. كما أن عمليات النهب والحرق التي طالت منازل ومحلات العلويين تشير إلى وجود مخطط ممنهج يهدف إلى التهجير القسري لهذه الطائفة من مناطقها.
وفي ظل استمرار الأزمة السورية وتعقيداتها، تبرز الحاجة إلى تكاتف الجهود الدولية والإقليمية لوضع حد للعنف الطائفي وحماية المدنيين من جميع الطوائف، مع التأكيد على أهمية العدالة والمساءلة كشرطين أساسيين لتحقيق السلام والاستقرار في سوريا.










