الإخوان المسلمون في الأردن: تاريخ من الصدام مع السلطة
تُشكّل قصة جماعة الإخوان المسلمين في الأردن نموذجاً فريداً لتطور العلاقة بين الحركات الإسلامية والأنظمة السياسية في العالم العربي. منذ تأسيسها عام 1945 وحتى قرار حظرها رسمياً في أبريل 2025، مرّت هذه العلاقة بمراحل متباينة من التعاون والتنسيق إلى المواجهة والصدام المباشر. يستعرض هذا التقرير أبرز محطات الصدام التاريخية بين الجماعة والسلطة الأردنية والتطورات الدراماتيكية التي أدت إلى حظرها نهائياً.
النشأة والتأسيس (1945-1952)
تأسست جماعة الإخوان المسلمين في الأردن رسمياً في 19 نوفمبر 1945 بمبادرة من عبد اللطيف أبو قورة، الذي اتصل بالمرشد العام حسن البنا، وتعرف على الجماعة وكان عضواً في الهيئة التأسيسية في مصر. في البداية، تمتعت الجماعة برعاية ملكية من الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين، وتم ترخيصها كجمعية خيرية.
ركزت نشاطات الجماعة في تلك الفترة على إقامة الندوات والمحاضرات والاحتفالات الإسلامية والدعوة إلى الخير. كما شاركت الجماعة في حرب فلسطين عام 1948 بسرية أبو عبيدة عامر بن الجراح بقيادة عبد اللطيف أبو قورة، حيث استشهد عدد من أفرادها، مما عزز مكانتها في المجتمع الأردني.
التنظيم والتوسع (1952-1967)
في أواخر عام 1953، تم اختيار محمد عبد الرحمن خليفة مراقباً عاماً للجماعة، حيث قام بإنشاء نظام أساسي وتنظيم بنيتها من خلال إنشاء هيئة عامة في كل شعبة تنتخب هيئة إدارية. وفي هذه الفترة، منحت الحكومة الأردنية الجماعة ترخيصاً ثانياً للعمل كمنظمة دينية إسلامية.
شهدت هذه المرحلة انضمام تنظيم الإخوان في فلسطين إلى تنظيم الأردن بعد وحدة الضفتين، وكان واضحاً الاختلاف بين الإخوان الفلسطينيين المنشغلين بالسياسة والمقاومة، والأردنيين المركزين على الدعوة والعمل الاجتماعي. وقد بدأت بعض التوترات البسيطة مع السلطة، كإغلاق مجلة “الكفاح الإسلامي” التي أصدرتها الجماعة بعد صدور أحد عشر عدداً فقط.
تحولات ما بعد 1967 وبداية الصدام الفكري
شكلت هزيمة 1967 وسقوط ما تبقى من فلسطين نقطة تحول في الفكر السياسي للإخوان المسلمين في الأردن، خاصة مع تأثرهم بإعدام سيد قطب في مصر. بدأت الجماعة تتخلى تدريجياً عن أفكارها الإصلاحية لتتحول إلى جماعة احتجاجية تستمد أفكارها من سيد قطب، وتبنت موقفاً أكثر حدة تجاه السلطة السياسية، متبنية شعار “وجوب العمل لإقامة الدولة الإسلامية وتغيير الأنظمة الجاهلية”.
في هذه المرحلة، توسعت الجماعة في الجامعات والنقابات والجمعيات العلمية، وتميزت بوضوح في الرأي والفكر والدعوة، مما أثار حساسية السلطات تجاهها. كما تأثر شباب الجماعة بثورة الإخوان المسلمين السوريين ضد النظام السوري، مما زاد من حدة التوتر مع السلطة الأردنية.
توترات التسعينيات ومطلع الألفية الجديدة
في تسعينيات القرن الماضي، برز تداخل واضح بين إخوان الأردن وحركة حماس، مما أثار قلق السلطات الأردنية. وفي عام 1999، أغلقت الحكومة الأردنية مكاتب حركة حماس في البلاد وأصدرت مذكرات اعتقال بحق عدد من قادتها من حاملي الجنسية الأردنية.
رغم هذه التوترات، شهدت هذه الفترة مشاركة سياسية نشطة للجماعة عبر حزبها السياسي “جبهة العمل الإسلامي”. تاريخياً، حظي الإخوان برئاسة مجلس النواب مرة واحدة عام 1990، وشاركوا بخمسة وزراء في حكومة مضر بدران عام 1991، لكن هذه المشاركة تراجعت تدريجياً مع توتر العلاقة مع النظام.
مرحلة الربيع العربي وتصاعد الصدام (2010-2015)
مثلت أحداث الربيع العربي نقطة تحول كبرى في علاقة الإخوان المسلمين بالنظام في الأردن. فمع صعود الإخوان للحكم في مصر، بدأت الجماعة في الأردن تكشف صراحة عن هدفها في الوصول إلى السلطة. في يناير 2013، تعهد همام سعيد، المراقب العام للجماعة آنذاك، بأن الأردن ستكون “دولة في الخلافة الإسلامية”.
رداً على ذلك، وصف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في مقابلة مع مجلة “ذا أتلانتك” الإخوان بأنهم “ذئاب في ثياب حملان” و”طائفة ماسونية”، مشيراً إلى أن “منعهم من الوصول إلى السلطة هو معركتنا الرئيسية”. واستغلت الجماعة الاحتجاجات في تلك الفترة وحاولت السيطرة على الشارع الأردني وتوجيهه وفق أجندتها السياسية.
الانقسامات الداخلية وتراجع النفوذ (2015-2024)
في عام 2015، انقسمت الجماعة بين فصيلين: “جمعية الإخوان المسلمين” (الفصيل الإصلاحي) و”جماعة الإخوان المسلمين” (الفصيل التقليدي). واستمر التوتر مع النظام، وفي عام 2014، اتهم الملك عبد الله الثاني الجماعة بأنها “اختطفت الربيع العربي”.
وفي عام 2020، صدر حكم قضائي من محكمة التمييز الأردنية باعتبار الجماعة “منحلة”، مما مهد لاتخاذ إجراءات قانونية أكثر صرامة ضدها في السنوات التالية.
الأزمة الأخيرة وقرار الحظر (2025)
وصلت العلاقة بين الإخوان والدولة الأردنية إلى نقطة انهيار تام في أبريل 2025، عندما أعلنت دائرة المخابرات العامة عن إحباط مخططات تهدف إلى المساس بالأمن الوطني. اتُهم ستة عشر معتقلاً بارتباطهم بجماعة الإخوان المسلمين وتورطهم في محاولة تصنيع صواريخ وطائرات مسيرة.
وفي 23 أبريل 2025، أعلن وزير الداخلية الأردني مازن الفراية حظر كافة نشاطات جماعة الإخوان المسلمين واعتبارها جمعية غير مشروعة. شمل القرار حظر الانتساب إلى الجماعة والترويج لأفكارها، ومصادرة ممتلكاتها، وإغلاق مقراتها في أنحاء المملكة كافة.
مستقبل مجهول للعلاقة
يأتي قرار حظر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن في سياق إقليمي معقد، حيث تسعى المملكة إلى حماية أمنها واستقرارها. ويبقى السؤال المطروح حول مستقبل العلاقة بين التيار الإسلامي والدولة في الأردن، وكيفية إدارة الخلافات السياسية والأيديولوجية في إطار يحفظ الاستقرار، خاصة مع التساؤلات حول مصير حزب جبهة العمل الإسلامي الممثل في البرلمان.
لقد مثل تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن نموذجاً لتطور وتحول علاقة الحركات الإسلامية بالأنظمة السياسية في العالم العربي، من التعاون إلى المواجهة المفتوحة، وصولاً إلى الحظر النهائي الذي يفتح صفحة جديدة في تاريخ المملكة الأردنية الهاشمية.