تواجه روسيا أزمة مالية متفاقمة مع استمرار تراجع عائداتها من صادرات النفط والغاز، في ظل ضغوط مزدوجة من انخفاض أسعار الخام العالمي وضعف الطلب، ما يهدد استقرار أحد أكبر الاقتصادات المعتمدة على الطاقة في العالم. ورغم محاولات موسكو تنويع مصادر الدخل، إلا أن الاعتماد البنيوي على النفط والغاز يجعل الميزانية الروسية شديدة الهشاشة أمام تقلبات السوق، خاصة في ظل ارتفاع الإنفاق العسكري وتوسع العقوبات الغربية.
سجلت عائدات روسيا من صادرات النفط في أبريل 2025 أدنى مستوياتها منذ نحو عامين، حيث بلغت 1.09 تريليون روبل أي ما يعادل 13.5 مليار دولار، بانخفاض سنوي قدره 12 في المئة مقارنة بإبريل 2024، وفق بيانات وزارة المالية الروسية. ويأتي هذا التراجع الحاد في ظل انخفاض متوسط أسعار النفط الروسي إلى 4562 روبل للبرميل في أبريل، مقابل 5079 روبل في مارس، وهو ما يقل كثيراً عن السعر المرجعي البالغ 60 دولاراً للبرميل الذي بُنيت عليه توقعات الميزانية.
هذا الانخفاض أدى إلى رفع تقديرات عجز الميزانية الفيدرالية الروسية لعام 2025 إلى 1.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ثلاثة أضعاف التوقعات السابقة، بعد أن خفضت وزارة المالية توقعاتها لإيرادات النفط والغاز بنسبة 24 في المئة إلى 8.32 تريليون روبل أي ما يعادل 101.5 مليار دولار، مقارنة بـ10.94 تريليون روبل في التقديرات الأصلية. ويشكل النفط والغاز نحو 30 في المئة من إيرادات الميزانية الروسية، ما يجعل أي تراجع في أسعارهما أو حجم صادراتهما تهديداً مباشراً للاستقرار المالي للبلاد.
خلفية تحليلية: أزمة هيكلية تتجاوز الأسعار
تعكس هذه الأرقام أزمة هيكلية أعمق في الاقتصاد الروسي، إذ لم يعد انخفاض أسعار النفط مجرد ظاهرة مؤقتة، بل أصبح نتيجة تضافر عدة عوامل
- تصاعد الحرب التجارية والرسوم الجمركية الأمريكية التي أضعفت الطلب العالمي على الطاقة
- تراجع تماسك تحالف أوبك بلس ورفع قيود الإنتاج بوتيرة أسرع من المتوقع
- استمرار العقوبات الغربية التي تحد من وصول النفط الروسي للأسواق الأوروبية وتضغط على الأسعار
- ارتفاع الإنفاق العسكري الروسي إلى مستويات غير مسبوقة منذ الحرب الباردة، ما يفاقم العجز المالي
وتشير توقعات وزارة الاقتصاد الروسية إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز ستنخفض بنسبة 15 في المئة في 2025 لتصل إلى 200.3 مليار دولار، مقارنة بـ235 مليار دولار في 2024، مع تحذيرات من البنك المركزي الروسي بأن أسعار النفط قد تظل ضعيفة لعدة سنوات قادمة.
التداعيات المستقبلية
يهدد استمرار تراجع عائدات النفط والغاز قدرة روسيا على تمويل العمليات العسكرية في أوكرانيا، والحفاظ على استقرار الروبل، ودعم الإنفاق الاجتماعي. ومع أن الإيرادات غير النفطية نمت بنسبة 23 في المئة في أبريل، إلا أنها لا تكفي لتعويض الفجوة الكبيرة الناتجة عن تراجع عائدات الطاقة. كما أن استمرار السحب من صندوق الثروة الوطني لتغطية العجز يثير مخاوف بشأن استدامة الاحتياطيات المالية الروسية.
خلاصة
تواجه روسيا اختباراً اقتصادياً صعباً مع استمرار انخفاض عائدات النفط والغاز، ما يفرض عليها إما تسريع إصلاحات هيكلية وتنويع مصادر الدخل، أو مواجهة سنوات من العجز المالي وتراجع النفوذ الاقتصادي على الساحة الدولية.











