شهد الاقتصاد المصري منذ 2013 وحتى اليوم تدهورًا غير مسبوق، رغم تعهدات الحكومة المتكررة بتحقيق الاستقرار والنمو عبر برامج صندوق النقد الدولي. الواقع يكشف أن هذه السياسات لم تحقق سوى مزيد من الأزمات، وانعكست بشكل مباشر على حياة ملايين المصريين.
انهيار الجنيه وتضخم الأسعار
منذ تعويم الجنيه في نوفمبر 2016، فقدت العملة المصرية أكثر من 70% من قيمتها. كان الدولار يساوي أقل من 8 جنيهات عام 2013، بينما تجاوز 48 جنيهًا في 2024. هذا الانهيار تسبب في قفزات هائلة في أسعار السلع الأساسية؛ حيث ارتفعت أسعار الغذاء بنسبة تتجاوز 300% خلال أقل من عشر سنوات، وقفز معدل التضخم السنوي إلى أكثر من 34% في 2024، مقارنة بنحو 10% فقط قبل بدء برنامج الصندوق.
تفاقم الديون وعجز الموازنة
اعتمدت الحكومة على الاقتراض الخارجي والداخلي بشكل مفرط. ارتفع الدين الخارجي من 43 مليار دولار في 2013 إلى أكثر من 165 مليار دولار في 2024، بينما تجاوز الدين المحلي 6 تريليونات جنيه. نتيجة لذلك، تستهلك خدمة الدين أكثر من نصف موارد الدولة، ما يضغط بقوة على الإنفاق الاجتماعي والصحي والتعليمي.
ارتفاع معدلات الفقر وتآكل الطبقة الوسطى
رغم تصريحات الحكومة حول “تحسن المؤشرات”، ارتفعت معدلات الفقر من 26% في 2013 إلى أكثر من 32% في 2024، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. تراجعت القوة الشرائية للمواطن، وتآكلت الطبقة الوسطى، وأصبح ملايين المصريين عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الأساسية.
غياب الإصلاح الحقيقي واستمرار الفساد
لم ترافق سياسات الحكومة أي إصلاحات هيكلية حقيقية. استمرت مشروعات ضخمة بلا جدوى اقتصادية واضحة، وتركزت الثروة في أيدي قلة، بينما تراجع الاستثمار في القطاعات الإنتاجية. ظلت معدلات البطالة مرتفعة، واضطر مئات الآلاف من الشباب إلى الهجرة أو العمل في الاقتصاد غير الرسمي.
خلاصة نقدية
تؤكد الأرقام أن سياسات الحكومة المصرية، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، لم تحقق سوى مزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي. بدلًا من الإصلاح، شهدت مصر موجات متتالية من التضخم، وانهيار العملة، وتفاقم الديون، وارتفاع معدلات الفقر. إذا استمرت هذه السياسات دون مراجعة جذرية، فإن مستقبل الاقتصاد المصري سيبقى رهينة للأزمات، وسيظل المواطن يدفع الثمن الأكبر.
كيف دمر الصندوق اقتصادات سابقة
لم تكن مصر أول دولة تتعرض لتداعيات خطيرة نتيجة تطبيق سياسات صندوق النقد الدولي، بل سبقتها دول عديدة دفعت ثمنًا باهظًا لشروط الصندوق القاسية. في تشيلي، أدى تدخل الصندوق بعد الانقلاب العسكري إلى تطبيق سياسات اقتصادية صادمة، فارتفعت الأسعار بشكل كبير، وانتشرت البطالة، وتدهورت الأوضاع المعيشية، ما دفع الشعب إلى حالة من الشلل الاقتصادي والاجتماعي. أما في الأرجنتين، فقد تسببت شروط الصندوق في رفع الدعم الحكومي وارتفاع أسعار الطاقة والنقل، مما أدى إلى احتجاجات واسعة وانهيار اقتصادي متكرر. وفي ملاوي، كانت النتيجة انهيارًا اقتصاديًا كاملًا بعد تطبيق سياسات الصندوق، لتصبح مثالًا على فشل تلك السياسات في معالجة أزمات الدول النامية.
تشير الدراسات إلى أن صندوق النقد الدولي يفرض حلولًا موحدة على جميع الدول بغض النظر عن خصوصية أوضاعها، مثل إزالة الدعم الحكومي وتحرير الأسواق ورفع الضرائب. هذه السياسات غالبًا ما تؤدي إلى تراجع الخدمات العامة وتآكل الطبقة الوسطى وازدياد الفقر والبطالة. وتوضح تجربة العراق بعد عام 2003 كيف فتحت سياسات الصندوق الباب أمام الشركات الأجنبية وسيطرتها على الاقتصاد الوطني، مما أدى إلى مزيد من التبعية وتراجع التنمية.
خبراء اقتصاديون دوليون يؤكدون أن صندوق النقد الدولي يُتهم بإدارة نظام عالمي يسحب الأموال من الفقراء لصالح الأغنياء، ويدفع الدول إلى فقدان سيادتها الاقتصادية، ويترك وراءه آثارًا سلبية عميقة في كل تدخلاته.











