في تحول مفاجئ قد يحمل تداعيات اقتصادية واسعة، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، الجمعة 23 مايو/ أيار 2025، عن إصدار إعفاء من بعض العقوبات المفروضة على سوريا بموجب “قانون قيصر” لمدة 180 يوماً، وفقاً لما نقلته وكالة “رويترز” عن مسؤول في الوزارة. وأكدت وزارة الخزانة الأميركية على موقعها الرسمي أن الولايات المتحدة أصدرت “ترخيصاً عاماً” يخفف من بعض القيود، ما قد يفتح الباب أمام نشاطات اقتصادية محددة في البلاد.
تفاصيل الإعفاء الأميركي: خطوة سياسية أم اقتصادية؟
الترخيص الذي أقرته وزارة الخزانة الأميركية لا يرفع العقوبات بشكل كلي، بل يتيح استثناءات لبعض المعاملات، مثل المساعدات الإنسانية، وإمكانية دعم مشاريع إعادة الإعمار في قطاعات معينة، وفتح المجال أمام منظمات دولية للعمل في سوريا دون أن تتعرض للعقوبات.
الخطوة تأتي في إطار توازن دقيق بين الضغوط السياسية المفروضة على النظام السوري، والاستجابة للاحتياجات الإنسانية والاقتصادية المتفاقمة داخل البلاد. إلا أن توقيت القرار، ومدة الإعفاء (180 يوماً فقط)، يشيران إلى أنه إجراء اختباري، مرهون بنتائج ملموسة على الأرض.
الاقتصاد السوري في مفترق طرق: هل يكون الإعفاء طوق نجاة؟
يُعاني الاقتصاد السوري منذ أكثر من عقد من انهيار شبه كامل في بنيته الأساسية، مدفوعاً بالحرب المستمرة، والعقوبات الغربية، والتضخم المتسارع، وانهيار قيمة الليرة السورية. ويأتي هذا الإعفاء في وقت تزداد فيه الضغوط على الحكومة السورية لتحسين الأوضاع المعيشية، وسط تدهور الخدمات الأساسية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات.
وفقاً لتقارير دولية، فقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بأكثر من 60% منذ عام 2011، بينما تجاوز معدل البطالة 50%، وبلغت معدلات الفقر مستويات غير مسبوقة. كما فاقمت العقوبات المفروضة بموجب قانون “قيصر”، الذي أُقر في 2019، هذا الانهيار، إذ استهدفت مؤسسات الدولة ومصادر دخلها الرئيسية مثل قطاع الطاقة والبناء.
هل يُعيد الإعفاء الثقة بالليرة السورية؟
قد يشكل هذا القرار الأميركي فرصة مؤقتة لتعافي بعض القطاعات الاقتصادية، خاصة إذا ما استُخدم الإعفاء لتحريك عجلة الاستثمار في مجالات محددة. إلا أن الثقة بالليرة السورية والأسواق المحلية ستظل مرهونة بتطورات لاحقة، مثل مدى توسعة الإعفاء، أو صدور قرارات مماثلة من الاتحاد الأوروبي.
البنك المركزي السوري، الذي يحاول جاهداً السيطرة على سوق الصرف، قد يستفيد من أي تدفقات مالية جديدة ناتجة عن تسهيلات الإعفاء، ما قد ينعكس – ولو بشكل محدود – على استقرار سعر صرف الليرة مقابل الدولار.
ردود الأفعال الدولية والمحلية
بينما رحب بعض المراقبين الدوليين بهذه الخطوة باعتبارها “انفتاحاً مشروطاً”، حذر آخرون من أن هذه التسهيلات قد لا تكون كافية لتحريك الاقتصاد بشكل فعلي، ما لم تقترن بإصلاحات داخلية وتخفيف شامل للعقوبات.
من جهتها، لم تصدر الحكومة السورية بعد تعليقاً رسمياً على القرار، لكن مصادر اقتصادية محلية تحدثت عن “تفاؤل حذر” في أوساط رجال الأعمال، لا سيما أولئك العاملين في قطاعات الإغاثة والتكنولوجيا والطاقة المتجددة.
ماذا بعد الـ180 يوماً؟
يشير محللون إلى أن الأشهر الستة المقبلة ستكون اختباراً حقيقياً لفعالية الإعفاء، وما إذا كان سيفتح الباب أمام قرارات أكبر لاحقاً. فنجاح هذه المرحلة قد يدفع واشنطن إلى مراجعة سياسة العقوبات، خاصة إذا ما أثبتت أنها تحقق أهدافاً إنسانية دون أن تُستغل سياسياً.
خاتمة: هل يبدأ تعافي سوريا من بوابة الإعفاءات؟
مع أن الإعفاء الأميركي لا يمثل حلاً شاملاً، إلا أنه قد يشكل خطوة رمزية على طريق طويل لاستعادة الاستقرار الاقتصادي في سوريا. وتبقى الكرة الآن في ملعب الداخل السوري، الذي عليه أن يلتقط هذه الفرصة لإطلاق إصلاحات حقيقية، وتهيئة بيئة استثمارية أكثر شفافية وجاذبية.











