نفت مصر حدوث اتصال بين الرئيس دونالد ترامب، ونظيره المصري، عبدالفتاح السيسي حول تهجير سكان غزة، وهو النفي الذي جاء بعد ساعات من نقل وسائل إعلام مرافقة لترامب قوله إنه تحدث مع السيسي بشأن استقبال بعض اللاجئين الفلسطينيين من القطاع.
وقال مصدر مصري مسؤول رفيع المستوى لشبكة (CNN) إن “أي اتصال هاتفي للرئيس المصري يتم الإعلان عنه وفقا للمتبع مع رؤساء الدول”.
وأكد المصدر أنه “كان يجب تحري الدقة فيما يتعلق باتصال على هذا المستوى، وهذا التوقيت الدقيق الذي تمر به المنطقة وما يجمع رئيسي البلدين من علاقات متميزة”.
وكان ترامب قال، الاثنين الماضي، إنه يرغب في رؤية الفلسطينيين “في منطقة يمكنهم العيش فيها دون إزعاج”. وذكر أنه تحدث مع الرئيس المصري، لكنه رفض أن يقول بشكل مباشر ما هو موقف السيسي بشأن استقبال المزيد من اللاجئين الفلسطينيين.
وقال ترامب: “أود أن أفعل ذلك- أتمنى أن يأخذ بعضًا منهم، فنحن نساعدهم كثيرًا، وأنا متأكد من أنه (السيسي) يستطيع مساعدتنا، إنه صديق لي”، حسب قوله.
وأضاف: “إنه في جزء صعب للغاية من العالم، لأكون صادقًا، إنها منطقة صعبة، لكنني أعتقد أنه يستطيع القيام بذلك”.
ماذا ستفعل مصر؟وكانت وزارة الخارجية المصرية قد ذكرت في بيان، مساء الأحد، أن مصر ترفض “ترحيل أو تشجيع نقل أو إبعاد الفلسطينيين من أرضهم”.
كما أعرب وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، أمس الاثنين، عن قلق بلاده إزاء محاولات التهجير التي تستهدف الشعوب في دول الجوار.
وحول كيفية مواجهة مصر لضغوط التوطين قال اللواء هيثم حسين، المستشار بكلية القادة والأركان، إنه خلال الـ 100 يوم القادمة ستكون قد تبلورت ملامح وإجراءات وقرارات دولية سيكون لها تأثيرات وتداعيات حول مستقبل غزة.
موضحًا أن الحلم الإسرائيلي بتهجير الفلسطينيين بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي، ولكن حرب أكتوبر 1973 أجهضته، ثم بدأ التفكير فيه مجددًا بداية من عام 2000 بعدما اقترح الجنرال الإسرائيلي جيورا آيلاند تطوير مقترح تم تسميته باسمه، ولكن كل المقترحات فشلت وتم نسفها من الأساس.
وأضاف أن مقترح ترامب الأخير بنقل سكان غزة والذي رفضته مصر والأردن، جاء مكملا لتلك المحاولات لكنه ليس حلا، مؤكدا أن عدم حل القضية الفلسطينية بطريقة تعطي الفلسطينيين الحق في بناء دولة مستقلة ذات سيادة لن يجعل المنطقة تنعم بالاستقرار، وأي محاولة لنسف هذه القضية، سيكون لها تداعيات أمنية خطيرة على دول المنطقة بأكملها.
وكشف الخبير المصري أن اللاعب الأساسي في هذه المعادلة هو الشعب الفلسطيني الذي قال كلمته عمليا بالمقاومة طوال 15 شهرًا، وإصراره على العودة لأرضه، حتى وإن تهدمت فهو لن يتركها وإن مات فيها، مضيفا أن كل ما سبق يسفر عن فشل المقترح الأميركي قبل أن يناقش.
ولا يتناغم طرح ترامب، فقط، مع كل المقاربة التي اعتمدها للصراع العربي الإسرائيلي منذ ولايته الأولى، عندما حاول فرض صفقة لم تمر تستهدف تصفية الصراع، أو تخدم مشروعاً “اقتصادياً سياسياً” للمنطقة، بل يأتي استكمالاً لمسار انتهجته أيضاً كل الإدارات السابقة، ومنها إدارة بايدن، التي تواطأت في حرب الإبادة الأخيرة، وحاولت فرض التهجير، لولا الصمود الفلسطيني و”الخطوط الحمر” العربية.
كذلك يأتي الطرح استكمالاً “منطقياً”، من وجهة نظر ترامب، لـ”إنجازات” دولة الاحتلال في القطاع طوال 15 شهراً من العدوان وحرب الإبادة والتدمير الممنهج لكل مقومات الحياة.
ويتوقع أن تتعرض مصر والأردن لضغوط سياسية واقتصادية من البيت الأبيض للخضوع لإملاءاته، علماً أن مقاومة “من خارج الصندوق”، كانت تفجرت أيضاً في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لمواجهة ما أسّست له ولاية ترامب الأولى من مشاريع أميركية جديدة في المنطقة.
ويتقاسم الرئيس الأميركي الجمهوري أفكاره حول مستقبل الشرق الأوسط، مع مجموعة من المستشارين والسياسيين الذين يعدّون من عتاة المؤيدين والداعمين لإسرائيل.
وذلك على خلفية تمتزج فيها مصلحة الأمن القومي الأميركي والدور الأساسي الذي تلعبه دولة الاحتلال باعتبارها شرطياً للولايات المتحدة في المنطقة، وتخدم من خلالها مصالحها الاستراتيجية، مع الخلفية الأيديولوجية والدينية والعنصرية والسياسية والاقتصادية.
صهر ترامب اليهودي جاريد كوشنر، الذي أمسك بملف الصراع خلال ولاية ترامب الأولى، كان قد عبّر مع بداية العدوان على غزة عن بعض أفكاره لغزة، ويوفد ترامب اليوم إلى المنطقة مبعوثه ستيف ويتكوف، وهو يهودي أيضاً، و”مستثمر”، حيث يسعى لتمرير مشروع التطبيع بين دولة الاحتلال والسعودية، تتويجاً لمسار “اتفاقات أبراهام” (اتفاقات التطبيع مع دول عربية) التي أطلقها في ولايته الأولى.
ويسقط طرح ترامب أي حقّ للفلسطينيين بأرضهم، وحرية تقرير المصير، بل يفسّر مواصلة الاحتلال عدوانه طوال 15 شهراً، بعدما رفض الفلسطينيون في بدايته الانصياع لضغوط “تطهير” غزة والتهجير القسري أو الطوعي، ومقاومة القاهرة وعمّان لأي تهجير من غزّة إلى الأردن ومصر.
بل قاوم الفلسطينيون طوال أشهر، خطة الجنرالات التي حاول جيش الاحتلال فرضها في شمال غزة، بحملة عسكرية وحشية لـ”تطهير” شمال القطاع من سكّانه.
خطة ترامب لتطهير غزة لم تكن المرة الأولى التي يظهر فيها الرئيس الأميركي رغبة في تغيير التركيبة الديموغرافية للمنطقة. فبعد أسابيع من فوزه بانتخابات عام 2016، تعهد ترامب بما سماه “صفقة القرن”، مؤكدًا أنّه بصدد تحقيق السلام في الشرق الأوسط عبر إبرام صفقة ستكون للإنسانية جمعاء.
وفي يناير 2020، أطلق ترامب خطته التي تضمنت إعادة رسم الحدود في الضفة الغربية، مع ضم المستوطنات الكبرى ومنطقة غور نهر الأردن لإسرائيل. كما كان من المفترض أن توفر الخطة للفلسطينيين حكمًا ذاتيًا محدودًا في الضفة الغربية ومناطق شرق القدس.
تضمنت الخطة أيضًا إجراءات لتوسيع الحكم الذاتي للفلسطينيين على مدار أربعة أعوام، إذا وافقوا على تدابير سياسية جديدة وتخلوا عما وصفته الولايات المتحدة بـ”العنف”.
كما نصت الخطة على أن الدولة الفلسطينية ستكون “منزوعة السلاح”، مع إقرار بأن إسرائيل ستبقى مسؤولة عن الأمن ومراقبة المجال الجوي في منطقة غرب غور الأردن.
وأكدت الخطة أنّ القدس ستكون “عاصمة غير مقسمة لإسرائيل”، في حين أن العاصمة الفلسطينية ستقع في مناطق القدس الشرقية، مثل كفر عقب وشعفاط وأبو ديس، مع إمكانية تسميتها بـ “القدس” أو أي اسم آخر.
وفيما يخص اللاجئين الفلسطينيين، لم تنص الخطة على حق العودة إلى الأراضي التي هُجروا منها في عام 1948، بل قدمت ثلاثة خيارات لهم، وهي العودة إلى الدولة الفلسطينية أو الاندماج في الدول المضيفة لهم، أو التوزيع على دول ترغب في استقبالهم ضمن إطار منظمة التعاون الإسلامي.
أما بالنسبة للحرم القدسي الشريف في القدس، فقد نصت الخطة على استمرار الوضع كما هو عليه، مع تأكيد أن إسرائيل ستبقى تتولى حماية الأماكن المقدسة في القدس، بما في ذلك ضمان حرية العبادة للمسلمين والمسيحيين واليهود.
كما نصت على أن الأردن سيبقى مسؤولًا عن الوصاية على المسجد الأقصى.
تتبع خطط ترامب في “صفقة القرن” و”تطهير غزة” نهجًا متكاملًا يعزز الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية ويقلص الحقوق الفلسطينية.
بينما سعت “صفقة القرن” إلى ضم الأراضي الفلسطينية الكبرى في الضفة الغربية لصالح إسرائيل، فإن “تطهير غزة” يهدف إلى إفراغ القطاع من سكانه.