أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أمس الجمعة أن الولايات المتحدة قررت طرد سفير جنوب إفريقيا لدى واشنطن، متهما إياه بكراهية البلاد ورئيسها دونالد ترامب. وتأتي هذه الخطوة غير المسبوقة في سياق تصاعد التوترات الدبلوماسية بين البلدين على خلفية مواقف سياسية متباينة حول عدة قضايا دولية، مما يشير إلى تحول كبير في العلاقات الأمريكية الجنوب أفريقية التي كانت تتسم بالتعاون في العديد من المجالات.
تفاصيل قرار الطرد وأسبابه المباشرة
نشر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو تغريدة على منصة إكس (تويتر سابقا) أعلن فيها قرار طرد السفير الجنوب أفريقي إبراهيم رسول، قائلا: “ليس لدينا ما نناقشه معه، وبالتالي فهو يعتبر شخصا غير مرغوب فيه”.
ووصف روبيو السفير بأنه “سياسي يؤجج التوترات العرقية”، في إشارة واضحة إلى انتقاد أمريكي حاد لمواقف السفير الدبلوماسية.
وتشير المصادر الإخبارية إلى أن السبب المباشر وراء هذا القرار يعود إلى تصريحات منسوبة للسفير الجنوب أفريقي تم تفسيرها على أنها تتضمن انتقادات لاذعة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وقد اعتبرت وزارة الخارجية الأمريكية أن هذه التصريحات تمثل انتهاكا للأعراف الدبلوماسية، مما استدعى إصدار قرار بطرد السفير من الأراضي الأمريكية.
ووفقا للبيان الأمريكي الرسمي، فإن السفير رسول قد أدلى بتصريحات تنتقد السياسة الأمريكية وشخص الرئيس ترامب بشكل يتجاوز حدود العمل الدبلوماسي المتعارف عليه. وتعتبر عملية طرد سفير دولة ذات سيادة خطوة دبلوماسية خطيرة تعكس مستوى متقدما من التوتر في العلاقات بين البلدين.
خلفية التوترات بين واشنطن وبريتوريا
تأتي هذه الأزمة الدبلوماسية في سياق توترات متصاعدة بين الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا خلال الفترة الأخيرة. وتعود جذور هذه التوترات إلى عدة قضايا خلافية، أبرزها موقف جنوب إفريقيا من الصراع في غزة، حيث كانت بريتوريا من أكثر الدول انتقادا للاحتلال الإسرائيلي.
ومن أبرز نقاط الخلاف بين البلدين قيام جنوب إفريقيا برفع دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، متهمة إياها بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين.
وقد رفضت الولايات المتحدة دعم هذا التحرك، معتبرة أن بريتوريا تتبنى موقفا غير متوازن ضد حليفها الإسرائيلي، مما أدى إلى توتر العلاقات بين البلدين.
كما تشير المصادر إلى أن جنوب إفريقيا تتبنى سياسة خارجية أكثر تقاربا مع كل من روسيا والصين، وهو ما يثير قلق واشنطن.
وقد تجلى هذا التقارب في مشاركة جنوب إفريقيا في مناورات عسكرية مشتركة مع موسكو وبكين، إضافة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين هذه الدول.
الإجراءات الجنوب أفريقية المضادة
ردا على السياسات الأمريكية، اتخذت حكومة جنوب أفريقيا سلسلة من الإجراءات المضادة التي تصعد من حدة التوتر بين البلدين.
ووفقا للمصادر، فقد أوقفت جنوب أفريقيا عمل جميع الشركات الأمريكية داخل أراضيها، كما أوقفت تصدير المعادن إلى الولايات المتحدة احتجاجا على ما وصفته بـ”تصرفات الرئيس الأمريكي واستباحة أموال وأراضي جنوب أفريقيا”.
وتشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة تحقق أرباحا تزيد عن 25 مليار دولار من جنوب إفريقيا سنويا، مما يعني أن هذا القرار سيؤثر سلبا على الاقتصاد الأمريكي والجنوب أفريقي على حد سواء1. كما أشارت المصادر إلى أن الرئيس ترامب قد قطع التمويل عن جنوب إفريقيا والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى جنوب إفريقيا، في خطوة تصعيدية مضادة.
وفي بيان حاد اللهجة، أوضحت حكومة جنوب إفريقيا لترامب بشكل قاطع أن “أمريكا لا شيء بدون المعادن من إفريقيا”، وأكدت أنه “إذا كان يعتقد أن الأفارقة ليسوا سوى متسولين، فعليه أن يبحث عن المعادن في مكان آخر لأن إفريقيا سئمت من عدم الاحترام الصارخ والتجاهل الذي يستمرون في الحصول عليه من العالم الغربي”
التداعيات المحتملة للأزمة الدبلوماسية
من المتوقع أن تؤدي هذه الأزمة الدبلوماسية إلى تداعيات كبيرة على العلاقات بين البلدين، خاصة في مجالات التجارة والاستثمار. فالعلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا تعتبر مهمة للطرفين، وأي اضطراب فيها سيؤثر على مصالح كلا البلدين.
وقد تمتد تداعيات هذه الأزمة إلى المستوى الإقليمي في القارة الأفريقية، حيث تعتبر جنوب إفريقيا واحدة من أكبر القوى الاقتصادية والسياسية في القارة.
كما أن هذا التوتر قد يؤثر على موازين القوى في المنطقة، خاصة مع تنامي النفوذ الصيني والروسي في أفريقيا.
وعلى الصعيد السياسي، قد يؤدي هذا التوتر إلى إعادة تشكيل التحالفات الدولية، مع احتمال اتجاه جنوب إفريقيا بشكل أكبر نحو تعزيز علاقاتها مع دول البريكس ومجموعة الجنوب العالمي، بعيدا عن التأثير الأمريكي2.
أبعاد الصراع وتأثيره على القضايا الدولية
يكشف هذا الصراع الدبلوماسي بين واشنطن وبريتوريا عن تحولات عميقة في النظام الدولي، حيث تتزايد جرأة دول الجنوب العالمي في اتخاذ مواقف مستقلة عن السياسات الأمريكية والغربية. ويظهر ذلك بوضوح في موقف جنوب إفريقيا من القضية الفلسطينية وسعيها لمحاسبة إسرائيل قانونيا أمام المحاكم الدولية.
كما يسلط الصراع الضوء على المنافسة المحتدمة بين القوى الكبرى على النفوذ في القارة الأفريقية، والتي تتجلى في تنامي العلاقات بين دول القارة من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى. وتنظر الولايات المتحدة إلى هذه التحركات باعتبارها تهديدا لنفوذها التقليدي في المنطقة.
ويثير هذا الصراع أيضا تساؤلات حول حدود حرية التعبير في السلك الدبلوماسي، وما إذا كان يتوجب على السفراء الحفاظ على موقف محايد فيما يخص السياسة الداخلية للدول المضيفة، أم أن لهم الحق في التعبير عن وجهات نظرهم بشكل صريح.
تمثل أزمة طرد السفير الجنوب أفريقي من واشنطن منعطفا مهما في العلاقات بين البلدين، وتعكس تحولات أعمق في الدبلوماسية الدولية والعلاقات بين الشمال والجنوب العالميين. وتشير هذه الأزمة إلى التحديات المتزايدة التي تواجه الهيمنة الأمريكية في النظام الدولي، مع تنامي جرأة دول مثل جنوب إفريقيا في اتخاذ مواقف معارضة للسياسات الأمريكية.
وفي ظل استمرار التوترات، من المرجح أن نشهد المزيد من التحولات في خريطة التحالفات الدولية، مع احتمال تعزيز جنوب إفريقيا لعلاقاتها مع القوى المنافسة للولايات المتحدة، مثل الصين وروسيا. وتبقى قضايا مثل الصراع في غزة والمنافسة على الموارد الطبيعية في أفريقيا من أبرز نقاط الخلاف التي ستشكل مستقبل العلاقات بين البلدين في المرحلة المقبلة