المحكمة العليا الإسرائيلية تجمد إقالة رئيس الشاباك وسط أزمة دستورية محتملة
أثار قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بتجميد إقالة رئيس جهاز الشاباك (جهاز الأمن العام الإسرائيلي) رونين بار جدلاً واسعاً وسجالاً حاداً في المؤسسة السياسية الإسرائيلية، مما ينذر بأزمة دستورية محتملة بين السلطة القضائية والحكومة. حيث أصدرت قاضية المحكمة العليا الإسرائيلية غيلا كنافي-شتاينميتس قراراً احترازياً يجمد قرار الحكومة بإقالة بار حتى النظر في الالتماسات المقدمة ضد القرار، فيما رد رئيس الوزراء نتنياهو بالتأكيد على أن الحكومة هي من ستقرر من يرأس الشاباك، وسط تهديدات من وزراء بعدم الانصياع لقرار المحكمة.
تفاصيل القرار القضائي وخلفية الأزمة
أصدرت قاضية المحكمة العليا الإسرائيلية، غيلا كنافي-شتاينميتس، يوم الجمعة 21 مارس 2025، قراراً احترازياً جمّدت بموجبه قرار الحكومة الإسرائيلية الصادر يوم الخميس بإقالة رئيس جهاز الشاباك، رونين بار. وسيستمر تجميد قرار الإقالة حتى النظر في الالتماسات المقدمة ضد هذا القرار، على ألا يتجاوز الثامن من أبريل/نيسان المقبل.
وبحسب القرار، طالبت المحكمة الحكومة بالرد خطياً على الالتماسات حتى يوم الإثنين المقبل. وجاءت هذه الالتماسات من أحزاب المعارضة، بما فيها “ييش عتيد” و”المعسكر الوطني” و”يسرائيل بيتينو” و”الديمقراطيين”، إضافة إلى منظمات مدنية مثل الحركة من أجل جودة الحكم والحركة من أجل طهارة القيم.
وكان رونين بار قد عُيّن في منصبه في أكتوبر/تشرين الأول 2021 من قبل الحكومة السابقة التي أبعدت نتنياهو عن الحكم بين يونيو/حزيران 2021 وديسمبر/كانون الأول 2022، وكان من المفترض أن تستمر ولايته 5 سنوات.
أسباب إقالة رئيس الشاباك
تشير المعارضة الإسرائيلية إلى أن قرار إقالة بار جاء بعد أن أشار تحقيق الشاباك بشكل واضح إلى مسؤولية المستوى السياسي عن كارثة 7 أكتوبر/تشرين الأول. وقد صرح نتنياهو بأنه فقد الثقة في بار، مضيفاً أن رئيس الشاباك “يستخدم التضليل في كلمة ‘ثقة'” وأنه لا يطلب “التزاماً بثقة شخصية”.
وتابع نتنياهو: “بالإمكان الاستماع والإنصات إلى اقتراحات، لكن ليس مقبولا أن يدفع رئيس الشاباك علنا إحدى الطرق للجنة تحقيق. ويتعين عليه قول ذلك في أربع عيون (أي لقاء منفرد) وليس جرّ الجهاز إلى مواضيع سياسية”، مضيفاً: “أن عليّ أن أأنظر عليه بعينيّ والاعتماد عليه مهنيا وشخصيا من دون تحفظ في المصادقة على عمليات حساسة”.
ردود الفعل المتباينة على قرار المحكمة
موقف نتنياهو والحكومة
رد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على قرار المحكمة في تغريدة على منصة “إكس” قائلاً: “لن تكون هناك حرب أهلية… إسرائيل هي دولة قانون وبموجب القانون ستقرر الحكومة من يكون رئيسا للشاباك”.
وكان نتنياهو قد ألمح سابقاً خلال اجتماع الحكومة إلى أنه لن ينصاع لقرار المحكمة العليا، متسائلاً: “هل يعتقد أحد أننا سنستمر بالعمل (مع رئيس الشاباك) من دون ثقة بسبب أمر محكمة؟ هذا لا يمكن أن يحصل، وهذا لن يحصل”.
وانقسمت الحكومة الإسرائيلية في موقفها من قرار المحكمة. فمن جهة، اعتبر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أن “قضاة المحكمة العليا لن يديروا الحرب ولن يقرروا قائديها”. ومن جهة أخرى، قال وزير الداخلية موشيه أربيل إن “الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو لن تنتهك قرارات المحكمة”.
بينما اعتبر وزير الاتصالات شلومو كرعي أنه “لا صلاحية قانونية لقاضية المحكمة العليا بالتدخل في قرار إقالة بار، وأن هذه صلاحية الحكومة وحدها فقط. وقراركِ لا أساس له. انتهت القصة. والسيادة للشعب”.
موقف المعارضة والقطاع الاقتصادي
رحبت المعارضة الإسرائيلية بقرار المحكمة، حيث أكد رئيس “الحزب الديمقراطي” يائير جولان أن “قرار المحكمة العليا إنجازٌ مهمٌّ في النضال”.
وقد حذر منتدى الأعمال، الذي يضم قرابة 200 من رؤساء المرافق الاقتصادية، من أنه “في حال لم تحترم الحكومة أمر المحكمة وتقود إسرائيل إلى أزمة دستورية، فإننا سندعو الجمهور كله في إسرائيل إلى التوقف عن احترام قرارات الحكومة بكل ما يعني ذلك وسنوقف عمل المرافق الاقتصادية. وإذا لم تلتزم الحكومة بالقانون، فلا أحد سيلتزم بالقانون”.
الموقف القانوني
أصدرت المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهراف ميارا، بياناً جاء فيه: “بموجب قرار المحكمة العليا يحظر تنفيذ أي عمل يمس بمكانة رئيس الشاباك، رونين بار. ويحظر تعيين رئيس جديد للشاباك وحتى أنه يحظر إجراء مقابلات مع مرشحين للمنصب. كما أنه ينبغي استكمال تقصي الحقائق القانوني المستوجب بالنسبة لإمكانية أن يتدخل رئيس الحكومة في الموضوع على إثر التخوف من تناقض مصالح ينبع من تحقيقات الشاباك مع مستشاريه”.
تداعيات الأزمة وآفاقها المستقبلية
تشير هذه الأزمة إلى احتمال حدوث مواجهة دستورية خطيرة بين السلطة القضائية والحكومة الإسرائيلية. وتتفاقم هذه الأزمة في ظل الانقسام داخل الحكومة نفسها حول مدى الالتزام بقرار المحكمة العليا.
وتكتسب هذه الأزمة أهمية خاصة في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها إسرائيل، واستمرار الحرب في غزة، إضافة إلى الجدل المستمر حول المسؤولية عن أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهو ما قد يزيد من حدة الانقسام السياسي والاجتماعي داخل إسرائيل.
ويبقى السؤال الرئيسي: هل ستنصاع الحكومة الإسرائيلية لقرار المحكمة العليا، أم ستمضي في إقالة رئيس الشاباك بغض النظر عن القرار القضائي، مما قد يؤدي إلى أزمة دستورية غير مسبوقة؟ وما هي التداعيات المحتملة لهذه الأزمة على المشهد السياسي الإسرائيلي والحرب المستمرة؟
الإجابة على هذه الأسئلة ستتضح في الأيام القليلة المقبلة، خاصة مع اقتراب موعد رد الحكومة على الالتماسات يوم الإثنين المقبل، والذي سيحدد مسار هذه الأزمة الدستورية المحتملة.
الخلاصة والتوقعات المستقبلية
تشكل أزمة إقالة رئيس الشاباك اختباراً حقيقياً لمبدأ فصل السلطات في إسرائيل، وقد تمثل نقطة تحول في العلاقة بين السلطة التنفيذية والقضائية. كما أنها تأتي في وقت حساس تمر فيه إسرائيل بظروف استثنائية تتطلب استقراراً سياسياً وأمنياً.
ومن المرجح أن تستمر المواجهة السياسية والقانونية حول هذه القضية في الأيام المقبلة، مع احتمال أن تؤدي إلى مزيد من الاستقطاب السياسي والاجتماعي. كما قد تؤثر هذه الأزمة على قرارات إسرائيل الأمنية والعسكرية في المرحلة المقبلة، خاصة في ظل استمرار الحرب على غزة والتوتر على الجبهات الأخرى.