خسائر بالمليارات ومخاوف من الغلاء.. لماذا توقفت مصانع الأسمدة في مصر؟

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً وقلقاً متزايداً في الأوساط الاقتصادية، قررت الحكومة المصرية خفض إمدادات الغاز الطبيعي لمصانع الأسمدة والميثانول بنسبة 50% لمدة 15 يوماً، بحجة “صيانة دورية” في خط تصدير الغاز من إسرائيل. هذا القرار المفاجئ، الذي جاء في ذروة موسم الصيف وارتفاع الطلب على الطاقة، كشف هشاشة استراتيجية الطاقة الحكومية واعتمادها المفرط على مصادر خارجية، ما يضع علامات استفهام كبيرة حول كفاءة إدارة ملف الطاقة في البلاد.

تداعيات فورية: توقف مصانع استراتيجية وخسائر للاقتصاد

لم تكد تمر ساعات على بدء تطبيق القرار حتى أعلنت كبرى شركات الأسمدة – مثل “موبكو” و”أبو قير” و”سيدي كرير” – توقف مصانعها عن الإنتاج نتيجة انقطاع الغاز، وهو ما انعكس فوراً على البورصة المصرية بتراجع أسهم القطاع بنسب وصلت إلى 5%، فضلاً عن خسائر مباشرة في عائدات التصدير الدولارية، حيث تمثل الأسمدة ثاني أكبر صادرات مصر بقيمة 3.4 مليارات دولار سنوياً.

توقف الإنتاج في مصانع الأسمدة، التي تحتل مصر فيها المرتبة السابعة عالمياً في إنتاج اليوريا، لا يهدد فقط الاقتصاد، بل يضرب في صميم الأمن الغذائي، مع توقعات بارتفاع أسعار الأسمدة والمحاصيل الزراعية، ما ينذر بموجة غلاء جديدة تطال ملايين المصريين.

أزمة متكررة أم سوء إدارة؟

اللافت أن أزمة نقص الغاز ليست الأولى، إذ شهدت مصر خلال الأشهر الماضية تخفيضات متكررة في إمدادات الغاز للمصانع كثيفة الاستهلاك، وسط تراجع حاد في إنتاج الحقول المحلية، خاصة حقل “ظُهر” الذي انخفض إنتاجه بأكثر من 40% مقارنة بذروته في 2021. ورغم وعود الحكومة المتكررة بتحقيق الاكتفاء الذاتي، عادت مصر مؤخراً لاستيراد الغاز المسال من الخارج، في تحول يثير التساؤلات حول جدوى السياسات الحكومية في قطاع الطاقة.

الاعتماد على الخارج: ورقة ضغط إسرائيلية وأزمات متفاقمة

تزامن قرار خفض الإمدادات مع تقليص إسرائيل كميات الغاز الموردة لمصر وفرضها شروطاً جديدة لرفع الأسعار بنسبة تصل إلى 40%، مستغلة حاجة القاهرة الماسة للغاز في ظل ارتفاع درجات الحرارة وزيادة استهلاك الكهرباء، وهو ما يكشف مدى هشاشة الموقف المصري أمام الابتزاز الخارجي، نتيجة غياب استراتيجية واضحة لتنمية الإنتاج المحلي وتنويع مصادر الطاقة.

أين الشفافية؟ وأين خطة الحكومة؟

في الوقت الذي اكتفت فيه الحكومة بتبرير الأزمة بـ”أعمال صيانة”، تجاهلت الإعلان عن خطة واضحة لمنع تكرار هذه الكوارث مستقبلاً، أو حتى الاعتراف بمسؤوليتها عن التحول السريع من دولة مصدرة للغاز إلى دولة تعاني من نقص حاد في نفس المنتج. كما لم تقدم أي حلول عاجلة لتعويض خسائر الشركات أو حماية السوق المحلية من موجة الغلاء المتوقعة.

خلاصة: الحاجة لمحاسبة وسياسات جديدة

تتكرر الأزمات وتتكشف معها ثغرات السياسات الحكومية في إدارة ملف الطاقة، بينما يدفع المواطن والاقتصاد الثمن. استمرار الاعتماد على الخارج، وغياب الشفافية، وعدم وجود خطط استباقية، كلها عوامل تنذر بمزيد من الأزمات في المستقبل القريب ما لم تتغير السياسات وتتم محاسبة المسؤولين عن هذه الإخفاقات المتكررة.