شهدت محافظة الإسكندرية في شمال مصر يوم السبت الموافق 31 مايو 2025 عاصفة جوية عنيفة وغير مسبوقة ألحقت خسائر مادية واقتصادية كبيرة بالمدينة الساحلية. وفقاً للتقديرات الأولية، تراوحت الخسائر المادية المباشرة بين 10 إلى 50 مليون جنيه مصري، مما يجعل هذه العاصفة واحدة من أكثر الكوارث الطبيعية تكلفة في تاريخ المدينة الحديث.
طبيعة العاصفة وخصائصها المدمرة
ضربت العاصفة الإسكندرية في الساعات الأولى من صباح السبت، وتميزت بخصائص استثنائية نادرة الحدوث في المنطقة. استمرت العاصفة لفترة قصيرة لم تتجاوز 15 دقيقة، لكنها خلفت وراءها دماراً واسعاً.
وتميزت بهطول أمطار غزيرة جداً وصلت إلى حد السيول في بعض المناطق، مصحوبة برياح عاتية فاقت سرعتها 80 كيلومتراً في الساعة، وتساقط نادر للثلوج وحبات البرد بأحجام غير معتادة.
وصف خبراء الأرصاد الجوية هذه الظاهرة بأنها نتجت عن تصادم جبهة هوائية باردة مع أخرى دافئة، مما أدى إلى تكوين ما يُعرف بـ “Severe Weather Storm”، وهي حالة من الطقس المتطرف تُصنف ضمن الأحداث المناخية النادرة، سجلت الرياح سرعات وصلت إلى 50 كيلومتراً في الساعة، مع انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة رغم حلول فصل الصيف.
أضرار البنية التحتية والمرافق العامة
تسببت العاصفة في أضرار واسعة للبنية التحتية في الإسكندرية. شهدت المدينة سقوط عدد كبير من أعمدة الإنارة واللوحات الإعلانية الضخمة، خاصة على طريق الكورنيش الذي يعتبر شريان المدينة الرئيسي.
كما تضررت شبكات الكهرباء مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في عدة أحياء، وانفجار مواسير الصرف والمياه في منطقة 45.
غمرت مياه الأمطار والسيول شوارع وأنفاق رئيسية، حيث غرق نفق سيدي بشر بالكامل حتى منسوب 1.5 متر، وتحول لونه إلى الأبيض بسبب تراكم الثلوج.
هذا التأثير على البنية التحتية تطلب تدخلاً فورياً من السلطات، حيث تم نشر 30 معدة صرف صحي ومضخات عملاقة للتعامل مع تراكم المياه.
الخسائر في القطاع العقاري والإسكان
شهدت المدينة انهيارات جزئية في عدة مبانٍ وعقارات. سُجل انهيار أجزاء خارجية من عقار في شارع تانيس بمنطقة سبورتنج، مما أدى إلى تحطم سيارتين كانتا متوقفتين في محيط العقار.
كما شهدت منطقة سيدي بشر انهياراً جزئياً في أحد العقارات،وفي شارع العيسوي بمنطقة المنتزه، سقطت أجزاء من عقار آخر.

تضررت واجهات المحال التجارية والكافيهات، خاصة تلك الواقعة على كورنيش البحر، حيث تحطمت النوافذ والزجاج وغمرتها المياه، مما اضطر أصحاب المحال لإغلاقها فورياً.
ودخلت المياه إلى عدد كبير من المنازل والمحلات التجارية، خاصة في الطوابق الأرضية، مما ألحق أضراراً بالغة بالممتلكات والبضائع.
خسائر قطاع النقل والمركبات
تكبد قطاع النقل خسائر فادحة، حيث تحطمت وغرقت عشرات السيارات في مختلف أنحاء المدينة. في نفق سيدي بشر وحده، غرقت عدة سيارات بالكامل في المياه، بما في ذلك توكتوك أصبح رمزاً لشدة العاصفة بعد انتشار فيديو سائقه وهو يحاول إنقاذه دون جدوى، انتشرت مشاهد مؤثرة لسيارات غارقة حتى منتصفها في شوارع مختلفة من المدينة.

اندلع حريق مفاجئ في سيارة خاصة بشارع جمال عبد الناصر في منطقة سيدي بشر بالتزامن مع هطول الأمطار الغزيرة،كما تعطلت حركة المرور بشكل شبه كامل على الطرق الرئيسية، مما تسبب في خسائر اقتصادية إضافية بسبب تعطل النشاط التجاري والاقتصادي.
تعطيل النشاط الاقتصادي
تسببت العاصفة في شلل شبه تام للحياة الاقتصادية في المدينة لساعات. تم إجبار العديد من المطاعم والمحال التجارية على الإغلاق الفوري تجنباً للخسائر البشرية والمادية.
وقرر محافظ الإسكندرية تأجيل امتحانات الشهادة الإعدادية لمدة ساعة، مما يعكس حجم التأثير على الخدمات العامة.

كل دقيقة تعطيل تعني تكلفة اقتصادية إضافية، من تأجيل العمليات الإنتاجية إلى تعطيل المدارس، إلى إنقاذ الممتلكات، إلى أعمال الطوارئ التي تُمول من ميزانية الدولة، هذا التعطيل المؤقت للنشاط الاقتصادي يُضاف إلى الكلفة الإجمالية للكارثة.
تكاليف الاستجابة والإصلاح
استدعت العاصفة استجابة طارئة واسعة النطاق من السلطات المحلية. أعلن الفريق أحمد خالد سعيد، محافظ الإسكندرية، حالة الطوارئ القصوى في جميع الأجهزة التنفيذية للمحافظة.
وتم تكليف أربع جهات مدعومة بسيارات ومعدات للتعامل مع تداعيات العاصفة: الأحياء، والصرف الصحي، وشركة مياه الشرب، ونهضة مصر.
تضمنت تكاليف الاستجابة تشغيل معدات الصرف الصحي، ومضخات عملاقة، وفرق التدخل السريع، وطوارئ الكهرباء. كما اقتضت الحاجة إلى تخفيف ضغوط مياه الشرب في عدد من المناطق بصورة مؤقتة لتسهيل تصريف مياه الأمطار.
التداعيات طويلة المدى والمخاطر المستقبلية
كشفت العاصفة عن نقاط ضعف جوهرية في البنية التحتية للمدينة. رغم الاستجابة السريعة من السلطات، إلا أن سرعة غمر الشوارع والأنفاق تشير إلى عدم كفاية أنظمة الصرف الحالية للتعامل مع الأحداث المناخية المتطرفة.
وهذا الوضع يتطلب استثمارات ضخمة في تطوير البنية التحتية لمواجهة التحديات المناخية المستقبلية.
أشارت دراسة دولية حديثة إلى أن الإسكندرية تسجل انهياراً في 40 مبنى سنوياً مقارنة بمبنى واحد فقط في السابق، ويعود السبب إلى تسرب المياه المالحة إلى التربة وتآكل الأساسات، هذا الوضع يجعل المدينة أكثر عرضة للأضرار في حالة تكرار مثل هذه العواصف.








