يترقب لبنان بفارغ الصبر بدء عمل لجنة المراقبة الخاصة بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، حيث يُعَوّل عليها للحد من الخروقات المتواصلة التي تجاوزت المائة خرق منذ بدء سريان الاتفاق. تأتي هذه الخطوات في وقت يستكمل فيه الجيش اللبناني إعادة تمركزه في الجنوب، حيث سجل الأربعاء إعادة تمركزه في بلدة شبعا الحدودية بعد تراجع القوات الإسرائيلية.
أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي حدوث “تثبيت أكيد” لوقف إطلاق النار في لبنان خلال اليومين الماضيين، معرباً عن أمله في أن يتحول هذا التثبيت إلى استقرار دائم في البلاد. جاء ذلك في تصريح أدلى به ميقاتي الأربعاء، وأفادت به “الوكالة الوطنية للإعلام”.
ميقاتي أشار إلى أن لبنان سجل أكثر من 60 خرقاً إسرائيلياً لاتفاق وقف إطلاق النار خلال أسبوع واحد فقط، وهو ما يعكس القلق المستمر من تصاعد العنف مرة أخرى. وحذر من أن استمرار الخروقات قد يعيد البلاد إلى أجواء من القلق والصراع، مما يهدد استقرار لبنان الذي يسعى لتجاوز أزماته المستمرة.
كما أكد ميقاتي أن الحكومة اللبنانية ستبذل كل جهد ممكن لدعم العائدين إلى منازلهم، في خطوة تهدف إلى إعادة بناء المناطق المتضررة من الصراع. وأعرب عن شكره العميق للدول الصديقة التي قدمت الدعم المعنوي والإغاثي للبنان في هذه الظروف الصعبة.
من جانبها، أكدت الولايات المتحدة على استمرارية وقف إطلاق النار، حيث صرح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن الهدنة في لبنان متماسكة، مشيراً إلى أن آلية للتصدي لأي انتهاكات يتم الإعلان عنها قد وُضعت حيز التنفيذ. وأضاف بلينكن أن كل من إسرائيل وحزب الله من خلال الحكومة اللبنانية يسعيان إلى الحفاظ على هذا الوقف الدائم لإطلاق النار.
وكان اتفاق وقف إطلاق النار قد دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024، ليضع حداً للحرب المفتوحة التي استمرت أكثر من شهرين بين “حزب الله” وإسرائيل، والتي خلفت نحو 4000 قتيل في لبنان، بالإضافة إلى تدمير أجزاء كبيرة من معاقل الحزب المدعوم من إيران. ورغم هذه الهدنة، تم تسجيل عدة انتهاكات من قبل الأطراف المعنية.
تتولى لجنة دولية، تضم الولايات المتحدة وفرنسا وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى إسرائيل ولبنان، مهمة ضمان التواصل بين الأطراف المختلفة ومراقبة تنفيذ الاتفاق، إضافة إلى معالجة أي انتهاكات قد تحدث لتجنب أي تصعيد مستقبلي.
تأكد اكتمال تشكيل اللجنة بوصول المندوب الفرنسي الجنرال غيوم بونشان إلى بيروت الأربعاء، في حين يزور رئيس اللجنة، الجنرال الأميركي جاسبر جيفري، رئيس البرلمان نبيه بري، الذي كان قد قاد المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار مع الأمريكيين. ويُتوقع أن تعقد اللجنة اجتماعها الأول يوم الخميس، ويبدأ عملها الفعلي بين نهاية هذا الأسبوع وبداية الأسبوع المقبل بعد وضع آلية وخطة عمل. ويشمل ذلك بدء انتشار الجيش اللبناني في الجنوب بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من القرى التي تمركزت فيها.
وتنفي المصادر العسكرية اللبنانية المعلومات التي تشير إلى وجود جنود أميركيين على الأرض، مؤكدة أن دور اللجنة ينحصر في مراقبة الحدود ومنع حدوث خروقات. كما ستقوم كل من لبنان وإسرائيل بتبليغ اللجنة عن أي تهديدات محتملة، على أن يرافق الضباط الأميركي والفرنسي فريق عمل صغير لمساعدتهما في تنفيذ المهام، دون انتشار على الأرض.
وأعرب نائب رئيس البرلمان اللبناني، إلياس بو صعب، عن أمله في أن تسهم اللجنة في ضبط الأوضاع وتحقيق الاستقرار في الجنوب، مؤكداً أن الاتفاق أُنجز من أجل الاستمرار والنجاح. وذكر بو صعب أنه ناقش مع رئيس البرلمان الأعمال العدائية والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، مؤكدًا أنها خروقات فاضحة للاتفاق لا مبرر لها، وتعد محاولة لتبرير التصرفات الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي.
رغم بدء العمل باتفاق وقف إطلاق النار، استمرت الخروقات الإسرائيلية، وإن كانت بوتيرة منخفضة مقارنة بالأيام السابقة. تجاوزت الخروقات المائة في الأسبوع الأول من بدء الاتفاق، حيث أفادت المصادر العسكرية بوقوع هجمات إسرائيلية تمثلت في قصف مدفعي، وتوغلات في مناطق مختلفة جنوب لبنان. كما استهدفت مسيرة إسرائيلية آلية مدنية في بلدة مجدل زون في قضاء صور، ووقع قصف مدفعي في مناطق الخيام وكفركلا.
في موازاة ذلك، يواصل الجيش اللبناني عملياته في الجنوب، بما في ذلك تفجير الذخائر غير المنفجرة والقنابل العنقودية التي خلفتها القوات الإسرائيلية في عدد من القرى الجنوبية. ويُتوقع أن تزداد هذه العمليات مع اكتمال انتشار الجيش في المواقع التي كان يتمركز فيها قبل العدوان الإسرائيلي.
في المجمل، يبدو أن لبنان يتطلع إلى نجاح لجنة المراقبة في منع التصعيد وفرض الاستقرار في الجنوب، على الرغم من استمرار الخروقات الإسرائيلية التي تثير القلق.