حذر قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، الجنرال مايكل لانغلي، من مؤشرات مقلقة على وجود روابط عملياتية مباشرة بين حركة الشباب الصومالية والمتمردين الحوثيين في اليمن، في تطور وصفه مراقبون بأنه “تهديد إقليمي ناشئ” قد يقلب موازين الأمن في القرن الأفريقي وشبه الجزيرة العربية، وينذر باضطرابات في الممرات البحرية الحيوية.
وأشار لانغلي إلى أن هذا التعاون المحتمل، وإن لم يتأكد بعد بصورة قطعية، قد يمثل نقلة نوعية خطيرة في قدرات الجماعتين، ويعكس تصعيدا غير مسبوق في طبيعة التحالفات بين الفاعلين غير الحكوميين في المنطقة.
تقارب براغماتي رغم التباين الأيديولوجي
ورغم اختلاف المرجعيات العقائدية بين الحوثيين المدعومين من إيران وحركة الشباب المرتبطة بالقاعدة، فإن مراقبين يؤكدون أن المصالح الاستراتيجية والمواقف المعادية للغرب توفر أرضية مشتركة للتعاون، خاصة في ظل الضغوط العسكرية التي تواجهها الجماعتان.
وتشير تقارير إلى أن الحوثيين قد يسهمون في تزويد حركة الشباب بأسلحة متطورة، تشمل طائرات مسيرة وصواريخ أرض-جو، إلى جانب تدريب عسكري نوعي. في المقابل، تقدم حركة الشباب خبراتها الطويلة في الحرب غير المتكافئة، وشبكات التهريب والتمويل.
تقارير استخباراتية
كشفت تقارير استخباراتية ودراسات أمنية صادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية ومراكز بحثية متخصصة، عن مؤشرات لتعاون غير مباشر بين جماعة الحوثي اليمنية وحركة الشباب الصومالية، في مجالات تشمل تهريب السلاح، وتبادل الخبرات العسكرية، وتنسيق محتمل لاستهداف المصالح الغربية في المنطقة.
وبحسب تقرير صادر عن وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2022، تم توثيق علاقات تنسيقية بين شبكات تهريب السلاح والصيد غير الشرعي في الصومال واليمن، تتورط فيها عناصر مرتبطة بتنظيم داعش وحركة الشباب، بالإضافة إلى رجال أعمال ومهربين من اليمن وإيران، على صلة وثيقة بالحوثيين.
تبادل في الدعم اللوجستي والتدريب
وفي السياق ذاته، ذكر مركز “SOUFAN” للأبحاث الأمنية، أن جماعة الحوثي أرسلت ثلاثة خبراء في صناعة المتفجرات إلى حركة الشباب، لمساعدتها في تطوير عبوات ناسفة وأسلحة أكثر تطورا. في المقابل، أعادت حركة الشباب تهريب أسلحة إيرانية إلى الحوثيين، في عملية تعكس تبادلا في الخدمات بين الطرفين.
غموض يلف عمق ومستوى التعاون
ورغم هذه المعطيات، لا يزال الغموض يحيط بحجم ومدى التعاون الفعلي بين الجماعتين. وبينما يعتقد أن حركة الشباب حصلت على أسلحة تقليدية عبر اليمن وإيران، يبقى من غير المؤكد ما إذا كانت تقدم خدمات أو مسارات لوجستية مهمة للحوثيين، باستثناء إمكانية تسهيل نقل الأسلحة أو المواد الخام عبر شبكات التهريب الأفريقية.
ويرجح مراقبون أن الحوثيين قد يسعون للاستفادة من نفوذ حركة الشباب في القرن الأفريقي لفتح مسارات جديدة للتهريب أو تعزيز أدوات الضغط على القوى الغربية في منطقة شديدة الأهمية استراتيجيا، تمتد من البحر الأحمر وخليج عدن إلى المحيط الهندي.
أهداف مختلفة وحسابات استراتيجية متباينة
يرى باحثون أن التحالف أو التنسيق العملياتي بين الجماعتين لا يزال محدودا، نظرا لاختلاف أولوياتهما العقائدية والجغرافية. وبينما ينخرط الحوثيون في صراع إقليمي مدعوم من إيران، يتركز نشاط حركة الشباب على الأراضي الصومالية في مواجهة الحكومة والوجود العسكري الدولي، مع تركيز أساسي على الأجندة المحلية الجهادية.
ويشير الخبراء إلى أن أي اصطفاف علني من قبل حركة الشباب مع الحوثيين أو محور إيران، قد يستجلب ردود فعل أمريكية ودولية أكثر حدة، خاصة وأن واشنطن تنفذ بانتظام غارات جوية ضد قادة الحركة من خلال قيادة “أفريكوم”، وتشارك في دعم وتدريب القوات الحكومية الصومالية.
تحالف خطير بين حركة الشباب وداعش في الصومال بدعم إيران
اعترافات الحوثيين إمدادات حركة الشباب الصومالية بالأسلحة برعاية إيرانية
حركة الشباب قد تهاجم بمسيرات انتحارية: الأمم المتحدة تصدر تحذيرًا للموظفين في الصومال
ظل إيران في الخلفية
ولا يستبعد أن يكون الدعم الإيراني للحوثيين عاملا ميسرا لهذا التعاون. ووفق محللين، قد تسعى طهران إلى توسيع رقعة نفوذها عبر الوكلاء، وإشغال خصومها، كالسعودية والإمارات، بجبهات إضافية في القرن الأفريقي، خاصة في ظل الأهمية الاستراتيجية لمضيق باب المندب بالنسبة لحركة الملاحة العالمية.
ويشكل دعم إيران المستمر للقوى بالوكالة، بما فيها الحوثيون، في جميع أنحاء الشرق الأوسط سياقا بالغ الأهمية لتحليل هذا التعاون المحتمل. وبينما لا يزال التنسيق المباشر لتحالف عميق غير مؤكد، قد ترى إيران مزايا استراتيجية في تعزيز التفاعل بين الحوثيين وحركة الشباب.
من وجهة نظر طهران، قد تشكل هذه الروابط ضغطا على خصومها الإقليميين، مثل السعودية والإمارات، على جبهات متعددة. وتتماشى الأهمية الاستراتيجية لمضيق باب المندب بالنسبة لإيران مع قدرة الحوثيين الواضحة على تعطيل حركة الملاحة. ويمكن اعتبار توسيع هذه الإمكانات التخريبية إلى القرن الأفريقي عبر حركة الشباب، ولو بشكل غير مباشر، أمرا مفيدا.
مخاوف متصاعدة في المنطقة
ويثير هذا السيناريو قلقا بالغا في عدد من العواصم الإقليمية:
في السعودية، ينظر إلى تنامي قدرات حركة الشباب باعتبارها خطرا أمنيا محتملا يمتد من حدود اليمن إلى القرن الأفريقي، مما يتطلب تعديلات في وضعها الأمني. ويستحق تبادل التكتيكات والتأثير الأيديولوجي المحتمل الاهتمام، وقد تواجه مصالح المملكة العربية السعودية في القرن الأفريقي تعقيدات متزايدة.
في كينيا، قد يؤدي حصول الجماعة الصومالية على أسلحة وتدريب جديد إلى زيادة وتيرة الهجمات الإرهابية، ما يهدد الاقتصاد والسياحة.
أما في إثيوبيا، تواجه مخاطر أمنية متزايدة بسبب حدودها الواسعة والقابلة للاختراق مع الصومال، والتي تمتد لأكثر من 1600 كيلومتر. هذا الضعف الجغرافي يجعلها عرضة بشكل خاص للهجمات عبر الحدود، وتهريب الأسلحة، وتسلل المسلحين. ويشكل تنامي تمرد حركة الشباب في الصومال تهديدا خطيرا للاستقرار الداخلي لإثيوبيا، وخاصة في منطقتي الصومال وأوروميا، حيث توجد بالفعل توترات كامنة. وقد تستغل الجماعة هذه الانقسامات الداخلية لتجنيد الأفراد وتأجيج الاضطرابات، أو شن هجمات.
وفي الصومال، ينذر هذا التقارب بإطالة أمد التمرد، وتعقيد جهود بناء الدولة، وإعادة الأمن في بلد يعاني من هشاشة مزمنة.
وتشكل الروابط الخارجية القوية لحركة الشباب مع جماعة مثل الحوثيين تداعيات سلبية بالغة. فالحصول على أسلحة متطورة، وتدريب محسن، ومصادر تمويل جديدة قد يطيل أمد تمرد الشباب ويفاقمه، مما يفاقم زعزعة استقرار البلاد، ويعيق بناء الدولة، ويفاقم الأزمة الإنسانية.
كما أن زيادة التنسيق قد تؤدي إلى هجمات أكثر تعقيدا، مما يقوض المكاسب الأمنية ويؤخر السلام والاستقرار. ويعد احتمال قيام حركة الشباب بمحاكاة تكتيكات الحوثيين لزعزعة الاستقرار البحري على طول الساحل الصومالي أمرا مقلقا للغاية.
تهديد للملاحة والتجارة الدولية
ومن بين أبرز التداعيات المحتملة، تلوح مخاطر حقيقية على الأمن البحري، خصوصا في البحر الأحمر وخليج عدن. فمع احتمال تقليد حركة الشباب لتكتيكات الحوثيين في استهداف الملاحة، قد تشهد المنطقة هجمات على السفن التجارية أو عمليات ابتزاز بحرية، مما يؤدي إلى رفع تكاليف الشحن والتأمين، ويؤثر سلبا على الاقتصاد العالمي، خاصة تجارة النفط.