لم يعد ثمن عدوان الاحتلال الإسرائيلي على فلسطين يُدفع فقط في ساحات المواجهة وعلى الأرض، بل امتد ليضرب أحد أكثر شرايين الاقتصاد الإسرائيلي حساسية؛ قطاع الطيران.
فمع تصاعد الحرب على غزة، تحولت سماء تل أبيب إلى منطقة محظورة أمام شركات الطيران العالمية، التي سارعت إلى تعليق رحلاتها خوفاً من تداعيات سياسات الاحتلال ومخاطره الأمنية. هذه العزلة الجوية لم تكن مجرد إجراء احترازي، بل انعكست مباشرة على الاقتصاد الإسرائيلي، حيث تكبدت هيئة المطارات وحدها خسائر تجاوزت 900 مليون شيكل خلال نصف عام فقط، وتراجعت حركة المسافرين بنسبة 55%، في مشهد يكشف كيف أن سياسات الاحتلال لا تجلب إلا العزلة والخسائر، حتى في أكثر القطاعات حيوية وحداثة. وبينما يواصل الاحتلال الرهان على القوة، تتسع دائرة الخسائر يوماً بعد يوم، لتطال كل زاوية في اقتصاده، وتؤكد أن العنوان الحقيقي لهذه المرحلة هو: نزيف بلا توقف.
تفاقم الأزمة في مطار بن غوريون
شهد قطاع الطيران الإسرائيلي اليوم أزمة غير مسبوقة مع إعلان 14 شركة طيران عالمية، من بينها شركات أوروبية وأمريكية كبرى، إلغاء رحلاتها من وإلى مطار بن غوريون في تل أبيب. جاء ذلك على خلفية التصعيد الأمني الأخير وتزايد المخاوف من ردود فعل إيرانية أو من “حزب الله” بعد عمليات اغتيال بارزة. وأدى هذا الإجراء إلى شبه شلل في حركة الطيران الدولية، حيث بدا المطار شبه خالٍ من المسافرين، وعلق آلاف الإسرائيليين في الخارج.
تداعيات اقتصادية مباشرة
انخفاض حاد في أعداد المسافرين: انخفض عدد المسافرين عبر مطار بن غوريون بنسبة تصل إلى 55% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مع تراجع عدد الرحلات الدولية بنسبة 34% خلال عام 2024.
خسائر تشغيلية: سجلت سلطة المطارات الإسرائيلية خسارة تشغيلية بلغت 105 ملايين شيكل (حوالي 29 مليون دولار) خلال الأشهر التسعة الأولى من 2024، نتيجة تقليص أنشطة شركات الطيران الدولية.
تأثيرات على شركات الطيران الإسرائيلية: احتكرت شركات الطيران المحلية (“العال”، “يسرائير”، و”أركيا”) الرحلات، ما أدى إلى ارتفاع أسعار التذاكر وتأخر الرحلات، وخلق حالة من الفوضى في السوق.
تراجع الإيرادات: بلغت خسائر قطاعي الطيران والسياحة حتى نهاية سبتمبر الماضي نحو 18.7 مليار شيكل (حوالي 5 مليارات دولار)، مع تقديرات بخسائر شهرية تتجاوز 756 مليون شيكل (أكثر من 200 مليون دولار).
خسائر هيئة المطارات: تكبدت هيئة المطارات الإسرائيلية وحدها خسائر بنحو 900 مليون شيكل (242 مليون دولار) في النصف الأول من 2024.
أبعاد إضافية للأزمة
تعليق طويل الأمد: أعلنت شركات كبرى مثل “دلتا”، “يونايتد إيرلاينز”، “لوفتهانزا”، “إير فرانس”، و”ويز إير” تعليق رحلاتها حتى إشعار آخر أو حتى منتصف 2025، ما يهدد بتفاقم الأزمة لفترة طويلة.
تأثيرات على الشحن الجوي: تضرر قطاع الشحن الجوي بشكل كبير، إذ يتم نقل حوالي 33% من الصادرات الإسرائيلية جواً، ومع تراجع الرحلات ارتفعت تكاليف الشحن بشكل كبير.
خسائر شركات الطيران الأجنبية: اضطرت شركات أجنبية لتعويض الركاب عن الرحلات الملغاة بمبالغ ضخمة، ما دفع بعضها لتهديد بعدم العودة إلى السوق الإسرائيلي دون تعديل القوانين المحلية الخاصة بالتعويضات.
تقديرات مستقبلية
يتوقع خبراء الاقتصاد أن تستمر الخسائر في قطاع الطيران والسياحة الإسرائيلي حتى نهاية 2025 على الأقل، مع احتمال بقاء معظم الشركات الأجنبية خارج السوق الإسرائيلي، ما لم يتحسن الوضع الأمني بشكل ملموس. كما أن استمرار الأزمة سيؤثر على قطاعات اقتصادية أخرى مرتبطة بالنقل الجوي والسياحة، ويضغط على معدلات النمو الاقتصادي، التي يتوقع أن تظل قريبة من الصفر هذا العام.
أدى إلغاء عشرات شركات الطيران العالمية رحلاتها إلى تل أبيب اليوم إلى تفاقم أزمة قطاع الطيران الإسرائيلي، مع خسائر مباشرة بمئات ملايين الدولارات، وتداعيات متواصلة على الاقتصاد الكلي، وسط غموض بشأن موعد عودة الاستقرار لهذا القطاع الحيوي