أصدرت محكمة الدار البيضاء بالعاصمة الجزائرية أحكاماً قضائية صارمة في قضية هزت أركان الإدارة الجزائرية، تتعلق بتزوير منهجي لجوازات السفر وبطاقات الهوية البيومترية لفائدة رعايا سوريين. كشفت التحقيقات عن شبكة معقدة تضم موظفين حكوميين ووسطاء، عملت على تسهيل حصول أجانب على وثائق جزائرية رسمية بشكل غير قانوني، في عملية وصفت بأنها “اختراق خطير للسيادة الوطنية”.
خلفية القضية وتفاصيل الاتهامات
انطلقت التحقيقات في فبراير 2024 بعد شكوى مقدمة من رئيس مصلحة الوثائق البيومترية ببلدية الجلفة، حيث اكتشف وجود 13 ملفاً لسوريين حصلوا على وثائق رسمية دون استيفاء الشروط القانونية. أسفرت التحقيقات عن تورط 20 متهماً، بينهم 12 موقوفاً، أغلبهم موظفون سابقون وحاليون في بلدية الجلفة، إلى جانب رعايا سوريين استفادوا من الوثائق المزورة.
آلية التزوير والتواطؤ المؤسسي
كشفت الفحوصات الفنية عن تلاعب منهجي في البصمات الحيوية، حيث وضع الموظفون بصماتهم مكان بصمات المستفيدين الحقيقية على استمارات الطلبات. كما عُثر على ملاحظات مكتوبة بالحبر الأحمر مثل “عميرة بن قنيسة- جنسية” تشير إلى عمليات تزوير ممنهجة. تم توثيق حالات لموظفين قاموا بإدخال بيانات مزورة في النظام المعلوماتي للهيئة البيومترية الوطنية، مما مكّن من إصدار 12 بطاقة هوية و3 جوازات سفر بيومترية لسوريين، بينهم أطفال دون السن القانونية.
الأحكام القضائية والتداعيات القانونية
قضت المحكمة بالسجن النافذ لمدة 3 سنوات مع غرامة مليون دينار جزائري على الرئيس التنفيذي للشبكة، بينما تراوحت عقوبات باقي المتهمين بين عامين و5 سنوات سجناً. ألزمت المحكمة المدانين بدفع تعويض جماعي قدره مليون دينار للخزينة العامة، كمقابل للأضرار التي لحقت بمصداقية النظام البيومتري الوطني.
الهروب الدولي والمتابعات القضائية
أصدرت المحكمة أحكاماً غيابية بالسجن 5 سنوات بحق 4 متهمين فروا خارج الحدود، مع تأكيد أوامر القبض الدولية بحقهم. كما تمت مصادرة جوازات السفر المزورة والآلات المستخدمة في التزوير، بما في ذلك أختام رسمية مسروقة من مؤسسات حكومية.
السياق الأمني والتداعيات الإقليمية
تشير وثائق التحقيقات إلى أن بعض المستفيدين من الوثائق المزورة كانوا ينشطون في أعمال تجارية بمحيط منطقة بئر توتة غربي العاصمة، ما أثار مخاوف أمنية حول إمكانية استخدام هذه الوثائق في أنشطة غير مشروعة. تعكس القضية تحديات جمة تواجهها الجزائر في حماية نظامها البيومتري، خاصة بعد تبني جواز السفر الإلكتروني وفق معايير المنظمة الدولية للطيران المدني.
تاريخ من قضايا التزوير
تكشف سجلات المحاكم عن نمط متكرر، حيث أدينت عام 2022 عجوز سورية بتزوير شهادات ميلاد لجنيسة 2000 فلسطيني. كما حكم عام 2023 على شبكة مماثلة بتزوير بطاقات الإقامة لسوريين ومغاربة. تؤكد هذه الحالات استمرار تحديات مكافحة الجريمة المنظمة في مجال الهوية الرقمية.
ردود الفعل الرسمية والشعبية
أعلنت وزارة الداخلية الجزائرية انضمامها كطرف مدني في الدعوى، مع تأكيدها على “عدم التسامح مطلقاً مع أي مساس بمصداقية الوثائق الرسمية”. من جهة أخرى، نظمت جمعيات حقوقية وقفات احتجاجية أمام المحكمة طالبت بـ”إصلاح جذري للنظام البيومتري” و”تعزيز الرقابة على الموظفين.
التحديات التقنية والإدارية
كشف الخبراء عن ثغرات في نظام “الشباك الإلكتروني” المُستخدم في إصدار الوثائق بمنطقتي الدار البيضاء والقبة. تدعو التوصيات الفنية إلى تطبيق أنظمة ذكاء اصطناعي للكشف عن التزوير، وربط قواعد البيانات بين المؤسسات الحكومية بشكل فوري.
الآثار الاقتصادية والأمنية
قدّر خبراء الاقتصاد خسائر الخزينة العامة بنحو 2.5 مليار دينار سنوياً بسبب التزوير الوثائقي. من الناحية الأمنية، حذرت تقارير استخباراتية من استخدام الوثائق المزورة في عمليات تهريب بشرية أو تمويل إرهاب.