الإفراج عن حميدان التركي: قصة 19 عاماً في السجون الأمريكية وعودة مرتقبة للمملكة
أعلنت السلطات الأمريكية في ولاية كولورادو يوم الجمعة 9 مايو 2025 عن إطلاق سراح المواطن السعودي حميدان التركي بعد ما يقارب عقدين قضاها في السجون الأمريكية. وبحسب مكتب المدعي العام، تم تسليم التركي إلى إدارة الهجرة والجمارك تمهيداً لترحيله إلى المملكة العربية السعودية في الأسابيع القليلة المقبلة. جاء هذا القرار بعد ثلاثة أيام من المداولات التي أفضت إلى نقض الحكم الصادر ضده منذ أكثر من 19 عاماً. قضية التركي شكلت نقطة توتر في العلاقات السعودية-الأمريكية لسنوات، وأثارت جدلاً واسعاً حول عدالة محاكمته، بينما أصر التركي طوال الوقت على براءته.
من هو حميدان التركي؟
حميدان علي التركي، البالغ من العمر 56 عاماً، مواطن سعودي قدم إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1995 بعد حصوله على منحة دراسية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض لتحضير درجة الدكتوراه في اللغويات من جامعة كولورادو بولدر. تخصص التركي في مجال الصوتيات واللغة العربية، وحصل على درجة الماجستير بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من جامعة دنفر في ولاية كولورادو.
كان التركي قبل اعتقاله يمتلك ويدير دار النشر والترجمة “البشير للنشر والترجمة” المتخصصة في الترجمة ونشر الكتب باللغة العربية ومقرها مدينة أورورا بولاية كولورادو. عاش التركي مع زوجته سارة الخنيزان وأطفالهما الخمسة في الولايات المتحدة، وكانا من الأعضاء الفاعلين في المجتمع الإسلامي في دنفر.
خلفية أكاديمية متميزة
قبل القضية التي غيرت مسار حياته، كان التركي يعمل على إكمال برنامج الدكتوراه في اللغويات بجامعة كولورادو، متخصصاً في التنغيم العربي وعلم الصوتيات. كانت مسيرته الأكاديمية واعدة، حيث كان مبتعثاً من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في قسم اللغة الإنجليزية لتحضير الدراسات العليا في “الصوتيات”.
تفاصيل القضية والاتهامات
اعتقل حميدان التركي للمرة الأولى مع زوجته سارة الخنيزان في نوفمبر 2004، بتهمة مخالفة أنظمة الإقامة والهجرة، قبل أن يتم الإفراج عنهما بعد فترة قصيرة. ثم اعتقل مجدداً في عام 2005 ووجهت إليه تهم أكثر خطورة.
الاتهامات الموجهة إليه
في عام 2006، أدين حميدان التركي بالاعتداء الجنسي على خادمته الإندونيسية والاحتفاظ بها كعبدة افتراضية لأكثر من أربع سنوات. وحسب سجلات المحكمة، فإن التركي وزوجته أحضرا فتاة إندونيسية تبلغ من العمر 17 عاماً تدعى Z.A. للعمل كخادمة منزلية براتب 600 ريال سعودي (حوالي 150 دولارًا) شهرياً.
وفقاً للاتهامات، قام الزوجان في سبتمبر 2000 بإحضار الخادمة إلى الولايات المتحدة، واحتفظا بجواز سفرها ولم يقوما بتجديد إقامتها، مع تحذيرها باستمرار بأنها ستعتقل إذا تركتهما. كما اتهم بالتحكم الشديد في اتصالاتها ومنعها من كتابة رسائل إلى أصدقائها، وتقديم معلومات خاطئة عن وضع تأشيرتها ووضعها الوظيفي.
الحكم والعقوبة
في 31 أغسطس 2006، حكم على التركي بالسجن 28 عاماً على اثنتي عشرة تهمة جنائية تشمل الحبس غير القانوني، والاتصال الجنسي غير القانوني، والسرقة، والابتزاز الجنائي. وفي 25 فبراير 2011، تم إعادة النظر في عقوبته وتخفيضها من 28 إلى 8 سنوات بسبب حسن سلوكه في السجن.
إنكار التهم ودفاع التركي
طوال فترة سجنه، أصر حميدان التركي على براءته من التهم الموجهة إليه، معتبراً أنه ضحية للمشاعر المعادية للمسلمين التي تفاقمت بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. وقال إن القضية كانت “مؤامرة” مدفوعة بمشاعر معادية للإسلام، وهو ما جعل قضيته تتسبب في توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والحكومة السعودية.
التماسات للعودة إلى المملكة
خلال سنوات سجنه، تقدم التركي بعدة التماسات للمحكمة، طالباً نقله إلى السعودية لإكمال فترة عقوبته هناك. وتعهدت السلطات السعودية باحترام أي شروط تفرضها ولاية كولورادو وتوفير إشراف فعال على التركي حال عودته للمملكة، لكن طلباته قوبلت بالرفض مراراً.
الدعم الشعبي والرسمي للتركي
حظيت قضية حميدان التركي باهتمام كبير في السعودية وبين الجاليات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة. وتجمع مؤيدو التركي في محكمة كولورادو خلال جلسات المحكمة لتقديم الدعم العاطفي له.
وقد صرح عبدالله البشري، أحد مؤيدي التركي، لقناة Colorado 9News: “نريد فقط دعمه عاطفياً والوقوف خلفه. لا أعرف ما إذا كان مذنباً أم لا، لكن كل الناس في السعودية يقولون إنه غير مذنب. لذلك جئنا هنا لمتابعة هذه القضية ودعمه قدر استطاعتنا”.
كما قدمت السفارة السعودية في واشنطن دعماً مستمراً لقضية التركي، وأشاد نجله تركي حميدان التركي بجهود السفارة في الإشراف على مجريات القضية.
الإفراج الأخير وإجراءات الترحيل
في 9 مايو 2025، أعلن مكتب المدعي العام في ولاية كولورادو تسليم حميدان التركي إلى إدارة الهجرة والجمارك لترحيله من الولايات المتحدة إلى المملكة العربية السعودية. وجاء هذا القرار بعد ثلاثة أيام من المداولات التي انتهت بنقض الحكم الصادر ضده منذ أكثر من 19 عاماً.
وأكد مصدر مطلع للقناة الإخبارية السعودية أنه بعد صدور القرار، تم نقل التركي مباشرة من المحكمة إلى سجن الهجرة تمهيداً لترحيله إلى المملكة خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
تأثير القضية على العلاقات السعودية-الأمريكية
شكلت قضية حميدان التركي إحدى نقاط التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية على مدى السنوات الماضية. وقد سلطت الضوء على قضايا أوسع تتعلق بمعاملة المسلمين في النظام القضائي الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
من المتوقع أن يساهم الإفراج عن التركي وترحيله إلى المملكة في تخفيف أحد مصادر التوتر في العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة في ظل المساعي المشتركة لتعزيز التعاون في مجالات مختلفة.