السياسة الخارجية الأمريكية وتحليل تعاملها مع الحلفاء
تشهد السياسة الخارجية الأمريكية تحولاً جوهرياً في تعاملها مع الحلفاء، حيث تُستخدم أساليب الإهانة العلنية كأداة لفرض الهيمنة وإرسال رسائل قوة للعالم. تبرز هذه الظاهرة بوضوح في الأزمة الأخيرة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والتي انتهت بطرد الأخير من البيت الأبيض بعد رفضه التوقيع على اتفاقية تُسلّم الولايات المتحدة السيطرة على الثروات المعدنية الأوكرانية. هذه الحادثة، مقارنة بمواقف أخرى مثل لقاء ترامب بملك الأردن عبد الله الثاني، تكشف عن نمط متكرر في السياسة الأمريكية يعتمد على إذلال الحلفاء علناً لتأكيد التفوق الجيوسياسي.
الخلفية التاريخية: معاداة أمريكا كسياسة خارجية
جذور الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع الحلفاء
تعود ممارسات الاستعلاء الأمريكي إلى عقود من الهيمنة العالمية، حيث استخدمت واشنطن أدوات اقتصادية وعسكرية لفرض إرادتها. يشير مفهوم “معاداة أمريكا” إلى العداء الناجم عن هذه السياسات، والذي تجلى في أحداث مثل حرب العراق عام 2003، والتدخلات في أمريكا اللاتينية. في القرن الحادي والعشرين، تصاعدت هذه الظاهرة مع تنامي الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية وانتقادات لسياسات مثل ضربات الطائرات بدون طيار في باكستان.
حالة أوكرانيا: من الحليف إلى التابع
أصبحت أوكرانيا نقطة محورية في الصراع بين الغرب وروسيا بعد عام 2014. قدمت الولايات المتحدة دعماً عسكرياً بلغ 50 مليار دولار، لكن هذا الدعم لم يكن مجانياً؛ إذ بدأت واشنطن تطالب بمقابل استراتيجي يتمثل في السيطرة على الموارد الطبيعية، خاصة المعادن الأرضية النادرة التي تُقدّر قيمتها بنحو 500 مليار دولار.
أزمة اتفاقية المعادن وموقف زيلينسكي
تنص المسودة الأولية للاتفاقية على إنشاء صندوق استثماري تُحوّل إليه أوكرانيا 50% من عائدات مواردها المعدنية، مع منح الولايات المتحدة حقوق الإشراف الكامل على عمليات الاستخراج والتسويق. رفض زيلينسكي التوقيع دون ضمانات أمنية ملموسة، مما أدى إلى تصعيد التوتر. وفقاً لـ فاينانشال تايمز، تخلت واشنطن لاحقاً عن المطالبة بالمبلغ المذكور لكنها أبقت على البنود التي تمنحها سيطرة اقتصادية شبه كاملة.
المشادة الكلامية في البيت الأبيض: تفكيك اللحظة
في 28 فبراير 2025، شهدت الزيارة المخطط لها لتوقيع الاتفاقية انهياراً دراماتيكياً. وثّقت كاميرات التلفاز لحظة اتهام ترامب لزيلينسكي بـ”إشعال حرب عالمية ثالثة” و”عدم الامتنان“، بينما رد الأخير: “أوكرانيا ليست لعبة في يدكم“. انتهى اللقاء بإصدار ترامب أمراً بطرد الوفد الأوكراني، وهو ما وصفه مسؤولون بـ”الإهانة المُتعمّدة لإرسال رسالة إلى العالم“.
تحليل الخطاب: لغة الهيمنة
استخدم ترامب مصطلحات مثل “بلدك في مشكلة” و”لولا أمريكا لانتهت الحرب في أيام“، مؤكداً على التبعية المطلقة. هذه اللغة تكرر نمطاً تاريخياً في الدبلوماسية الأمريكية، كما ظهر في تعاملها مع اليونان خلال الحرب الباردة، حيث تعرّض تمثال هاري ترومان للتخريب المتكرر كرمز للرفض الشعبي.
المقارنة مع حالة الأردن: الاستسلام مقابل التحدي
لقاء الملك عبد الله الثاني وترامب: نموذج الخضوع
في 11 فبراير 2025، التقى العاهل الأردني بالرئيس الأمريكي تحت ضغوط تتعلق بملف اللاجئين الفلسطينيين. أظهرت التسريبات الإعلامية كيف تعامل ترامب بفظاظة مع الملك، مُطالباً إياه باستقبال آلاف الفلسطينيين كشرط للدعم المالي. رغم الانتقادات الداخلية، التزم الملك بخطاب دبلوماسي تقليدي، قائلاً: “نعمل مع الشركاء لتحقيق الاستقرار“.
زيلينسكي: تحدّي الإملاءات رغم التكلفة
على عكس النموذج الأردني، رفض الرئيس الأوكراني التنازل عن السيادة الوطنية. وفقاً لمركز بيو للأبحاث، يُعتبر هذا الموقف استثنائياً في ظل الضغوط الأمريكية، حيث أن 72% من الدول الحليفة تُظهر مرونة أكبر في مفاوضات مماثلة. أدى الرفض إلى تعليق جزء من المساعدات العسكرية، لكنه حصد تعاطفاً دولياً، خاصة في أوروبا الشرقية.
ردود الفعل الدولية وانعكاسات الجيوستراتيجيا
أوروبا بين القلق والاستغلال
عبّرت صحف مثل إيل فاتو كويديانو الإيطالية عن مخاوف من تحوّل أوكرانيا إلى “ولاية أمريكية“، مشيرة إلى أن الاتفاقية قد تُقسّم البلاد إلى مناطق نفوذ بين واشنطن وموسكو. من جهة أخرى، رأى محللون في برلين أن الموقف الأوكراني يعكس توجهاً أوروبياً صاعداً لمواجهة الهيمنة الأمريكية.
روسيا والصين: استغلال الفرصة
سارعت موسكو إلى تقديم نفسها كبديل استراتيجي، حيث أعلن الكرملين استعداده لضمانات أمنية لأوكرانيا دون شروط مسبقة. في بكين، حلّل الخبراء الأحداث كفرصة لتوسيع نطاق مبادرة الحزام والطريق في أوروبا الشرقية.
التحليل النفسي-سياسي: لماذا تُهين أمريكا حلفاءها؟
نظرية “الفرعونية الجديدة”
يشير مصطلح “الفرعونية” هنا إلى سيكولوجية القوة المطلقة التي تُبرر الإهانة كأداة لتأكيد الهيمنة. تُظهر دراسة أجراها معهد بروكنجز أن 68% من القادة الأمريكيين يعتقدون أن “إظهار التفوق” ضروري للحفاظ على المصداقية الدولية.
العامل الداخلي: سياسة ترامب الانتخابية
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية 2026، يسعى ترامب إلى تعزيز صورته كـ”رجل قوي” أمام الناخبين. وفقاً لاستطلاعات غالوب، فإن 54% من مؤيديه يُقدّرون “الصلابة في التعامل مع الحلفاء“.
الخاتمة: نحو عالم متعدد الأقطاب
تُظهر أزمة أوكرانيا أن نموذج الهيمنة الأحادية الأمريكي يتآكل تحت ضغط القوى الصاعدة وتمرد الحلفاء.