في تطور لافت يستدعي التساؤلات عن طبيعة النفوذ الاقتصادي والسياسي لرموز السلطة الموازية في مصر، وجَّه الإعلامي توفيق عكاشة تحديًا صريحًا للشيخ إبراهيم العرجاني – رئيس اتحاد القبائل العربية المثير للجدل – قائلًا: “إذا كنت رجلًا شجاعًا اذكر مصادر أموالك”.
يأتي هذا التصريح في سياق تحقيقات إعلامية متزايدة عن دور العرجاني كـ”حلقة وصل” بين أجهزة أمنية محلية ودولية، وفقًا لاتهامات حقوقيين وناشطين.
يُعتبر الشيخ إبراهيم العرجاني أحد أبرز الأسماء التي برزت في المشهد السيناوي خلال العقد الماضي، حيث يُنسب إليه دور في “ترتيب الأوضاع الأمنية” بمناطق حدودية حساسة.
لكن تقارير استقصائية كشفت عن تعاظم نفوذه ليتجاوز الدور الأمني إلى إنشاء إمبراطورية اقتصادية تعتمد على شبكات تهريب الوقود والمخدرات عبر معبر رفح، وفقًا لتسريبات وثائقية نشرتها منصات إخبارية مستقلة.
من جهته، يُصر عكاشة – المقرَّب سابقًا من دوائر صنع القرار – على أن تحديه يستند إلى “معلومات دقيقة عن تورط العرجاني في صفقات تمويل مشبوهة تتجاوز حدود مصر”، مُشيرًا إلى تعاون الأخير مع جهات إقليمية لتمرير أموال عبر شركات وهمية في لبنان وأوروبا.
وقد استند في اتهاماته إلى تحليلات اقتصادية تُظهر تضاعف ثروة العرجاني من 88 مليون دولار إلى ما يقارب نصف مليار خلال سبعة أشهر فقط.
فساد مُمنهج
في ظل أزمة العملة الحادة التي تعصف بمصر – حيث انخفضت قيمة الجنيه بنسبة 50% أمام الدولار منذ 2022 – تبرز تساؤلات عن قدرة شخصيات مثل العرجاني على تكديس ثروات ضخمة بعيدًا عن رقابة الدولة.
تشير وثيقة مسربة من وزارة المالية المصرية إلى أن “شبكات التهريب الحدودية تُدرّب ما لا يقل عن 2.5 مليار دولار سنويًّا”، مع إشارة ضمنية إلى تواطؤ أجهزة حكومية.
لكن محللين سياسيين يرون أن الظاهرة تتجاوز الفساد التقليدي إلى ما وصفوه بـ”الخصخصة المنظمة للأمن القومي”، حيث تُستخدم المليشيات القبلية كأدوات لتنفيذ أجندات جيوسياسية تخدم أطرافًا دولية.
فبحسب تقرير بثته قناة يوتيوبية مستقلة، يُعتقد أن العرجاني حصل على دعم لوجستي من جهات إسرائيلية لإنشاء “مناطق عازلة” في سيناء، وذلك في إطار اتفاقيات أمنية غير معلنة.
فيما لم تصدر أي تعليقات رسمية من الحكومة المصرية، انقسم الرأي العام بين مُؤيِّدٍ لضرورة “تصفية مراكز القوى الموازية”، ومتشككٍ في نوايا عكاشة الذي يُعتبر جزءًا من النظام السابق.
يرى الدكتور محمد نصر – أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة – أن “التحدي المتبادل يكشف عن صراع كبار اللاعبين على تقاسم كعكة النفوذ في ظل غياب الرقابة البرلمانية”، بحسب تصريحاته لـ”المنشر”.
من جانبها، نشرت منظمة “شفافية الدولية” تقريرًا مؤقتًا أشار إلى أن 43% من التحويلات النقدية عبر معبر رفح تتم عبر وسطاء مرتبطين بشبكة العرجاني، مع وجود عمولات تصل إلى 10 آلاف دولار لكل فرد مُهجَّر من غزة. هذه الممارسات – التي تُوصف بـ”تجارة المعاناة” – تثير تساؤلات عن دور مصر كشريك في الأمن الإقليمي.
صفقة القرن
لا يمكن فصل صعود نجم العرجاني عن التحولات الجيوسياسية المُعقدة في سيناء منذ توقيع اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية عام 1978.
تشير وثائق أمريكية رفعت عنها السرية حديثًا إلى أن إدارة ترامب قد درست منح العرجاني صفة “الحاكم الإداري” لمناطق حدودية، في إطار ما عُرف بـ”صفقة القرن”.
هذا التوجه يتوازى مع تصريحات سابقة للرئيس السيسي أكد فيها أن “أمن سيناء لا يقدر بثمن”، بينما تشير تقارير البنك الدولي إلى أن 60% من استثمارات التنمية بالمنطقة ذهبت لمشاريع أمنية مغلقة.
ومع تصاعد حدة الاتهامات، يُتوقع أن تتحول هذه القضية إلى اختبار حقيقي لسيادة القانون في مصر. فمن ناحية، يُحذِّر خبراء أمنيون من “العبث بملف سيناء الحساس”، فيما يُطالب نشطاء حقوقيون بتحقيق دولي مستقل.
الجدير بالذكر أن قناة “الحرة” – الممولة من الكونجرس الأمريكي – كانت قد بثت تقريرًا عام 2018 أشار إلى “علاقات وثيقة بين العرجاني ومستثمرين إسرائيليين في مجال السياحة”، لكن التقرير تعرض لانتقادات حادة من قبل الحكومة المصرية آنذاك.
في ختام هذا الملف الشائك، يبقى السؤال الأكبر: هل تمتلك الدولة المصرية الإرادة السياسية لمحاسبة “أقطاب الفساد العابر للحدود”، أم أن التوازنات الإقليمية ستبقى تُحرِّك الخيوط من خلف الكواليس؟ الإجابة قد تأتي مع تحركات الشارع المصري الذي يعاني من تبعات اقتصادية خانقة، حيث وصلت نسبة التضخم إلى 38.5% في فبراير 2025 وفقًا لأحدث بيانات البنك المركزي.