احتجاجات في السويداء: إنزال العلم السوري الجديد ورفع راية الدروز رفضاً للإعلان الدستوري
أقدم مواطنون في محافظة السويداء جنوبي سوريا على إنزال علم الدولة السورية الجديد ورفعوا مكانه علم “الموحدين الدروز”، في خطوة احتجاجية واضحة ضد الإعلان الدستوري الذي وقّعه الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع قبل أيام. هذه الخطوة تعكس موقفاً رافضاً من قبل مكون اجتماعي مهم في سوريا تجاه الترتيبات الدستورية الجديدة للمرحلة الانتقالية، وتثير تساؤلات حول مدى قبول جميع المكونات السورية للإعلان الدستوري الجديد.
تفاصيل الاحتجاج في السويداء
أظهر مقطع فيديو متداول على وسائل التواصل الاجتماعي لحظة إنزال العلم السوري الجديد الذي تم اعتماده بعد سقوط نظام بشار الأسد من فوق أحد المباني في محافظة السويداء، واستبداله براية خاصة بطائفة “الموحدين الدروز”. ونشرت صفحة “السويداء 24” على منصة فيسبوك تسجيلاً مصوراً للحدث الذي يعكس حالة من الاستياء المتزايد من جانب سكان هذه المحافظة ذات الأغلبية الدرزية.
وتأتي هذه الخطوة الاحتجاجية في وقت حساس من تاريخ سوريا، حيث تمر البلاد بمرحلة انتقالية بعد ثلاثة أشهر فقط من الإطاحة بنظام بشار الأسد الذي استمر في الحكم لأكثر من عقدين، وأعقب ذلك نزاع مدمر امتد لثلاثة عشر عاماً خلف وراءه دماراً واسعاً وملايين النازحين واللاجئين.
موقف القيادة الروحية للدروز
وفي تصريحات نقلتها وسائل إعلامية محلية، أعلن الرئيس الروحي لطائفة “الموحدين الدروز” حكمت الهجري، أن “الإعلان الدستوري غير منطقي”، مؤكداً أن الدروز “طلّاب سلام”. وأوضح الهجري أن “ثوابتنا الوطنية هي نفسها، لكن الأمور عندما بدأت تصل إلى حد عدم التفكير المضبوط بما يخص مصير هذا البلد، فلا بد أن نتدخل”.
كما شدد الهجري على أن الدروز “يسعون للسلام، ولا يتعدون على أحد، ويطالبون بعدم التعدي عليهم”، مؤكداً في الوقت نفسه على دعمهم لوحدة الأراضي والشعب السوري، وتطلعهم إلى بناء دولة ديمقراطية دستورية تحترم حقوق جميع المكونات.
واتهم الهجري جهات لم يحددها بمحاولة إثارة خلافات داخل الطائفة الدرزية وفي منطقة السويداء عموماً، مؤكداً أن هذه المحاولات لن تنجح في تحقيق أهدافها. وتعكس هذه التصريحات مخاوف من محاولات لإشعال فتنة طائفية في منطقة ظلت إلى حد كبير بمنأى عن الصراعات المسلحة خلال سنوات الحرب في سوريا.
الإعلان الدستوري المثير للجدل
أقرّت السلطات السورية يوم الخميس الماضي الموافق 13 مارس 2025، إعلاناً دستورياً للمرحلة الانتقالية في البلاد، حدد مدة هذه المرحلة بخمس سنوات يتولى خلالها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع السلطة التنفيذية في البلاد. ويأتي هذا الإعلان بعد ثلاثة أشهر من الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد عقب صراع دام استمر لثلاثة عشر عاماً.
وعقب توقيع مسودة الإعلان الدستوري في القصر الرئاسي، صرح الرئيس الانتقالي أحمد الشرع قائلاً: “هذا تاريخ جديد لسوريا، نستبدل فيه الظلم بالعدل… ونستبدل فيه أيضاً العذاب بالرحمة”، معرباً عن أمله في أن يكون هذا الإعلان “فاتحة خير للأمة السورية على طريق البناء والتطور”.
إلا أن هذا الإعلان الدستوري الجديد يبدو أنه لم يلق قبولاً من جميع المكونات السورية، وخاصة في محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، حيث تصاعدت الاحتجاجات ضده خلال الأيام القليلة الماضية، وصولاً إلى رفض رمزي تمثل في إنزال علم الدولة الجديد ورفع راية الدروز مكانه.
تحديات المرحلة الانتقالية في سوريا
تواجه المرحلة الانتقالية في سوريا تحديات جمة، أبرزها كيفية تحقيق مصالحة وطنية حقيقية بين مختلف المكونات والأطراف التي تصارعت لسنوات طويلة، إضافة إلى إعادة بناء ما دمرته الحرب من بنى تحتية ومؤسسات، وعودة الملايين من اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم الأصلية.
ويضاف إلى هذه التحديات ضرورة ضمان تمثيل عادل لجميع المكونات السورية في مؤسسات الدولة الجديدة، وهو أمر تبدو صعوبته واضحة في ظل ردود الفعل المتباينة تجاه الإعلان الدستوري الجديد، والذي يعتبره البعض خطوة إيجابية نحو بناء سوريا ديمقراطية، فيما يراه آخرون غير كافٍ لضمان حقوقهم ومصالحهم.
دلالات رفع علم الدروز في السويداء
تحمل خطوة إنزال علم الدولة السورية الجديد ورفع راية الدروز مكانه دلالات سياسية واجتماعية عميقة، فهي من جهة تعبر عن رفض جزء مهم من المجتمع السوري للترتيبات الدستورية الجديدة، ومن جهة أخرى تعكس مخاوف من تهميش محتمل للطائفة الدرزية في سوريا ما بعد الأسد.
وتثير هذه الخطوة تساؤلات حول مدى فاعلية الجهود المبذولة لإشراك جميع المكونات السورية في عملية صياغة مستقبل البلاد، وتحذر من مغبة تجاهل مطالب ومصالح أي مكون من مكونات المجتمع السوري، الأمر الذي قد يؤدي إلى مزيد من الاحتقان والتوتر في مرحلة تحتاج فيها البلاد إلى تكاتف جميع أبنائها لتجاوز تركة الحرب الثقيلة.
مستقبل العلاقة بين السلطة المركزية والمكونات المحلية
تطرح أحداث السويداء الأخيرة تساؤلات جوهرية حول طبيعة العلاقة المستقبلية بين السلطة المركزية في دمشق والمكونات المحلية في مختلف المحافظات السورية، وخاصة تلك التي تتميز بخصوصية إثنية أو دينية أو مذهبية.
ويبقى السؤال الأهم: هل ستنجح السلطات الانتقالية في سوريا في استيعاب مطالب ومخاوف جميع المكونات والأطراف، أم أن البلاد ستشهد المزيد من الانقسامات والتوترات التي قد تهدد وحدتها الوطنية وتقوض جهود بناء دولة ديمقراطية تعددية تتسع لجميع أبنائها؟
خاتمة
تعد أحداث السويداء الأخيرة مؤشراً مهماً على التحديات التي تواجه سوريا في مرحلتها الانتقالية، وتؤكد على ضرورة تبني نهج شامل وتشاركي في بناء سوريا الجديدة، يضمن تمثيلاً عادلاً لجميع مكونات المجتمع السوري ويحفظ حقوقهم ومصالحهم.
كما تسلط هذه الأحداث الضوء على أهمية الحوار الوطني الجاد والبناء بين مختلف الأطراف السورية، بعيداً عن منطق الإقصاء والتهميش الذي ساد لعقود طويلة، وأدى في النهاية إلى انفجار الأوضاع وانزلاق البلاد إلى حرب أهلية مدمرة.
ويبقى الرهان معقوداً على حكمة القيادة الانتقالية وقدرتها على استيعاب مختلف الرؤى والمطالب، وعلى وعي جميع المكونات السورية بضرورة تغليب المصلحة الوطنية العليا على أي اعتبارات أخرى، من أجل بناء سوريا ديمقراطية موحدة تنعم بالسلام والاستقرار بعد سنوات طويلة من الصراع والدمار.