استأنف جيش الاحتلال الإسرائيلي بصورة مفاجئة، فجر الثلاثاء، حربه المستعرة على قطاع غزة، ضاربًا ملف التفاوض حول وقف إطلاق النار عرض الحائط؛ حيث شن عشرات الغارات دفعةً واحدة على مناطق متفرقة من القطاع ما تسبب باستشهاد ما يقرب من 500 فلسطيني.
ورغم شكل التصعيد المفاجئ، إلا أن محللين عسكريين وسياسيين يرونه متوقعًا وليس وليد اللحظة، على اعتبار ما سبقه من تهديدات إسرائيلية وعدوان أميركي على اليمن، عدا عن ضربات إسرائيلية على العاصمة السورية دمشق وتهديدات أمريكية لإيران، وجميعها تنبأ بتصعيد الأوضاع في الشرق الأوسط.
الخبير العسكري والاستراتيجي الأردني أيمن الروسان قال إن “قرار العودة للحرب في غزة جاء بنيةٍ مبيتةٍ بعد أسابيع من التحضير والتخطيط داخل المستويات السياسية والأمنية في دولة الاحتلال، والتي لم يكن لديها نية للالتزام بأي وقف طويل الأمد لإطلاق النار، بل كانت تسعى إلى استئناف الحرب وتنفيذ خططها الجديدة التي تتضمن تكثيف الضربات الجوية وتوسيع نطاق التحركات البرية وإعادة إخلاء شمال قطاع غزة إلى جانب استهداف قادة ميدانيين وشخصيات بارزة في غزة.
وبين الروسان أن الآلة الصهيونية بدأت تنفيذ خططها بشكل تدريجي عبر منع دخول المساعدات الإنسانية وقطع الكهرباء والإعلان عن عدم الانسحاب من محور فيلادلفيا، وسط صمت عربي مطبق سمح للاحتلال بالتمادي”.
أما الكاتب والمحلل السياسي الأردني عريب الرنتاوي فرجح من جانبه، أن “أسباب عودة الحرب على قطاع غزة داخلية؛ أولها: المأزق الذي يواجهه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بعد تمرد رئيس الشاباك رونين بار على قرار استقالته، ما تسبب باحتشاد قوى سياسية وأكاديمية واجتماعية في الداخل المحتل للمناداة بالقيام بأكبر تحرك شعبي لمواجهة هذه الحكومة اليمينية عدا عن انجراف قطاعات جديدة للتظاهر والتحرك الشعبي، وعدم اقتصار الأمر على عائلات الأسرى والمحتجزين لدى المقاومة في غزة”.
وأضاف الرنتاوي أن نتنياهو يسعى إلى تأجيل القضايا والتحقيقات والفضائح التي تلاحقه من خلال عودته إلى الحرب، وتثبيت الائتلاف اليميني الحاكم على أبواب إقرار الموازنة العامة للحكومة -والتي تعني التصويت على الثقة بهذه الحكومة-“، مشيرًا إلى “المخاوف الإسرائيلية من تأخير نتنياهو للانتخابات بدلًا من تبكيرها كما جرت العادة في الداخل المحتل، من أجل إتمام مدة ولايته حتى أواخر عام 2026”.
وبعد أقل من نصف يوم على عودة حرب الإبادة على قطاع غزة، أعلن حزب الليكود وحزب القوة اليهودية رسميًا عودة حزب إيتمار بن غفير إلى الحكومة الإسرائيلية وتقلده منصب وزير الأمن القومي من جديد، وهو ما يراه الرنتاوي إشارة إلى فتح الجحيم على قطاع غزة.
وذهب العميد الركن أيمن الروسان إلى ما ذهب إليه الرنتاوي، مؤكدًا أن “دوافع هذا العدوان هي محاولة يائسة من بنيامين نتنياهو للبقاء في السلطة وإبعاد الأنظار عن الاضطرابات السياسية والعسكرية الداخلية في الداخل المحتل”، مبينًا أن “الاحتلال الإسرائيلي لجأ إلى ورقة الضغط الأخيرة -التصعيد العسكري- بعد فشل كافة وسائل الضغط السياسي على المفاوض الفلسطيني”.
وأوضح عريب الرنتاوي أن “رئيس الأركان الجديد ولإظهار حماسته على منصبه الجديد؛ اعتمد تكتيك الصدمة والترويع والمفاجأة لإثبات أنه أكثر قسوة وشدة مع الفلسطينيين من رئيس الأركان السابق، حيث أودت أول ضربة عسكرية له بأكثر من 400 شهيد معظمهم من النساء والأطفال”.
ويراوح الوضع وفق الرنتاوي بين أن “تكون العملية الحالية هي عملية تفاوض بالنار تستمر لعدة أيام أو أسابيع حتى تمرير الموازنة العامة وضمان استقرار حكومة الاحتلال أو أنه استئناف لحرب التطهير والتهجير التي يمارسها اليمين المتطرف ضد قطاع غزة منذ 16 شهرًا”.
وأكد الرنتاوي “ضرورة عدم الوقوف مطمئنين أمام مشروع تهجير أبناء قطاع غزة، على اعتبار أنه دفن”، مبينًا أن “الاحتلال يسعى للالتفاف على الرفض المصري والأردني بقبول المهجرين قسرًا عن ديارهم، من خلال البحث عن مواطن بديلة جديدة حتى لو كانت في أماكن بعيدة ونائية عن أرضهم، فتارة السودان والصومال وأخيرًا سوريا مقابل مكافآت يعرضها دونالد ترامب على الأنظمة للاعتراف بشرعيتها وتأمين الدعم لبقائها في السلطة”.
ووصف الرنتاوي اللحظة بـ “الصعبة والخطيرة”، موضحًا أن “ما يزيدها تعقيدًا هو عدم قدرة الأطراف التي ساندت غزة عسكريًا على تقديم دعمها للقطاع، من طهران إلى العراق مرورًا بسوريا وانتهاءً بلبنان واليمن، عدا عن كون الرهانات على صحوة عربية مفاجئة سواء رسمية أو شعبية ليست في محلها”.
وأكد الرنتاوي أن “مصير غزة سيرتسم بصمود أبنائها وتحمل كل هذا الجحيم الذي يلقى على رؤوسهم خلال شهر رمضان المبارك، وقدرة المقاومة على استئناف أعمالها وعودة الجنود الإسرائيليين بالأكياس السوداء إلى تل أبيب”.
من جهته، يرى أيمن الروسان أنه “من المبكر الحكم على استمرارية الحرب من عدمه، رغم تلويح الكيان المحتل بإمكانية توسيع العمليات العسكرية لتشمل قصفًا مدفعيًا وعمليات برية”، لافتًا إلى أن “ذلك يعتمد على الشريك الأمريكي الداعم للرغبات المتطرفة اليمينية والتحرك الدولي والإقليمي الذي يشاهد بصمت القنابل الأمريكية التي تُسقطها طائرات الاحتلال فوق رؤوس الأبرياء”.
وفجر اليوم الثلاثاء، شنت طائرات الاحتلال عدوانا واسعا على غزة، مستأنفة حرب الإبادة مجددا على القطاع، حيث قصفت عدة مناطق، ما أدى لارتقاء 404 فلسطينيين بينهم أطفال ونساء وأصيب أكثر من 562 بينها حالات خطيرة.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة، خلّفت أكثر من 160 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.