اكدت شهادات معتقلين سابقين في سجون النظام السوري، إبان الثورة. إن ما يحدث فى سوريا أقصى من الموت…
“وحوش بلا رحمة.. يمكنك أن تطلب الموت ولا تحصل عليه.. طفلة بعمر 10 سنوات لم تسلم من أياديهم.. ومحقق يخرج عضوه الذكري بوجه السجناء”.. كان هذا جزءا مما ورد في
جاءت شهادات الناجين الذين أجرى موقع الحرة مقابلات معهم مع استمرار التعذيب في السجون السورية، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، والشبكة العربية لحقوق الإنسان، كما لايزال ملف المختفين قسرا يراوح مكانه رغم إنشاء آلية تابعة للأمم المتحدة، العام الماضي، للبحث بمصير هؤلاء.
من بين المعتقلين السابقين، الناشط السوري محمود الحموي، الذي قال لموقعنا إنه كان ناشطا في المجالين الإنساني والمدني المصاحب للمظاهرات التي خرجت في بداية الثورة السورية.
ويروي الحموي الذي نشر على منصة “إكس” صورة له بعد خروجه من الاعتقال وهو بحالة مزرية، أنه بقي في المعتقلات 5 سنوات، في “فرع أمن الدولة، ثم سجن البالونة “الرباعي” في حمص، وسجن حمص المركزي، وسجن عدرا، كما تم تجنيدي قسرا”.
وفي المعتقلات، تعرض الحموي لمختلف أنواع التعذيب أثناء التحقيق “من ضرب وحرب نفسية وتجويع وغيره”.
وقال: “في المعتقل تطلب الموت ألف مرة ولا تحصل عليه من شدة التعذيب.. من يموت كان يحصل على الراحة، لكن من يبقى على قيد الحياة يحصل على شتى أنواع التعذيب من وحوش بلا رحمة”.
ومؤخرا، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي منظمة تضم ناشطين سوريين في سوريا والعالم، مقرها بريطانيا، مقتل أكثر من 15 شخص بسوريا تحت التعذيب منذ بداية الثورة في 2011.
وجاء التقرير بمناسبة اليوم العالمي لضحايا التعذيب، في 26 يونيو الماضي، وهو اليوم الذي وضعته الأمم المتحدة في عام 1997 بهدف القضاء التام على التعذيب وتنفيذ اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة.
وأشار تقرير المنظمة إلى أنَّ حصيلة الذين قتلوا بسبب التعذيب بلغت 15383 شخصا منذ مارس 2011 حتى يونيو 2024 بينهم 199 طفلا و115 أنثى بالغة.
واتهمت النظام السوري بالمسؤولية عن مقتل 15098، بينهم 190 طفلا و95 امرأة.
وفقاً للتقرير، فإن النظام السوري اعتقل النسبة الأكبر من المواطنين السوريين، وتعرض المعتقلون إلى شكل أو أكثر من أشكال التعذيب، وأشار إلى “ممارسة منهجية، ومتكررة، وترتكب بشكل واسع بحق عشرات آلاف المعتقلين”.
وأشار التقرير إلى أنّ محافظتي حمص ودرعا في مقدمة المحافظات التي فقدت أبناءها بسبب التعذيب، حيث أنَّ ممارسة النظام السوري لعمليات التعذيب في كثير من الأحيان تأتي على خلفية انتماء الضحية لمنطقة ما مناهضة للنظام السوري، كنوع من الانتقام الجماعي في مراكز احتجازه.
ويشير المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، إلى أن حقبة سيطرة تنظيم “داعش” بين عامي 2014 2017 كانت الأشد وطأة بعد سجون النظام (تدمر- صيدنايا- فرع فلسطين- سجن المزة العسكري).
ومن بين ضحايا تعذيب النظام السوري، المعتقلة السابقة “م” (43 عاما) المقيمة حاليا في بريطانيا، حيث استمر نشاطها في توثيق انتهاكات النظام، وإثارة الوعي بشأن قضية المعتقلين في السجون، بعدما كانت واحدة منهم.
ومن خلال صناعة الأفلام القصيرة، تلقي المعتقلة السابقة “م” الضوء على قصتها الخاصة، وكذلك قصص معتقلات أخريات تعرضن للمعاملة الوحشية والاغتصاب.
كانت “م” اعتقلت بحاجز أمنى لدى رجوعها من دمشق إلى درعا، مسقط رأسها في مارس 2012، بسبب نشاطها في التمريض لمداواة جرحى التظاهرات في ذلك الوقت.
وضع عناصر النظام السوري الذين اعتقلوها عصابة على عينيها وقيدوها ووضعوها في صندوق سيارة، وعندما وصلت شعبة الاستخبارات العسكرية “الفرع 215” في دمشق، لم يتم توجيه أي أسئلة إليها في البداية، ووضعوها بدولاب صغير بعد تجريدها من معطف ترتديه.
كانت بداية المحنة لدى وصولها، التعرض للضرب بـ”الفلكة” (عصا غليظة) على ظهرها وساقيها.
وبعد ذلك، وضعت بـ”المنفردة” (الحبس الانفرادي) وكان مكانا ضيقا للغاية، لدرجة أنها كانت لا تستطيع حتى مد قدميها.
كانت جلست التحقيق تبدأ عند الساعة الواحدة صباحا وتستمر حوالي 3 ساعات. وفي رحلتها من غرفة السجن إلى غرفة التحقيق، كانت تشاهد “المأساة” بعينيها: “شباب تم تقييدهم بالجدران ورائحة الدم تفوح في الأرجاء.. أصوات تعذيب الشباب والفتيات والأطفال.. شيء فظيع إجرام لم أره في حياتي”.
وفي غرفة التحقيق، تقول إنها مرت بتجربة “مرعبة” إذ كانت “تتعرض للضرب والتعليق بالسقف والصعق بالكهرباء” إذا لم تتجاوب مع المحققين.
كانت جرعة التعذيب تتفاقم بمرور الأيام: “وتورم جسدي وتغير لون جلدي وتغيرت ملامحي.. لم أكن قادرة على المشي.. عندما يحاول أحد مساعدتي، يأمره الضابط بتركي”.
وتشير إلى التعذيب النفسي كذلك، إذ كانت تسمع أصوات الشباب أثناءالجلد والصعق بالكهرباء، وحتى الأطفال تعرضوا للتعذيب: “أكثر شيء عذبني سماع صوات الأطفال”.
في ذلك الوقت، كانت فكرة الموت تساورها طوال الوقت، وأنها لن تخرج من هذا المكان على قيد الحياة.
بقيت “م” 3 أشهر في “فرع 2015” قبل نقلها إلى فرع الأمن العسكري في درعا، حيث تعرضت للتعذيب أيضا، وهي لا تزال تتذكر اسم المحقق وهو “العميد وفيق الناصر”.
تعرضت للتحرش، لكنها شاهدت فتيات تعرضن للاغتصاب، وتتذكر فتاة كردية تعرضت للاغتصاب بوحشية من أكثر من شخص: “كنت استيقظ على صوتها وهي تبكي في الليل… اعتدنا على سماع صوت صراخها”.
بقيت هناك 15 يوما وعادت إلى فرع 215، لكن لم توضع بالحبس الانفرادي بل برفقة 10 فتيات.
في “فرع 215″، قابلت سجناء تم اعتقالهم منذ فترة طويلة قبل الثورة، بعضهم منذ الثمانينيات وكانوا منعزلين لدرجة أنهن لم يعرفوا بوفاة الرئيس السوري الأسبق، حافظ الأسد عام 2000.
وقابلت المدونة المعروفة، طل الملوحي، التي تم اعتقالها وهي بعمر 15 عاما و”حتى الآن لم تخرج من السجن”، كما قابلت سجينات من جنسيات عربية، وواحدة من مرافقات القذافي.
تم نقل “م” إلى سجن عدرا، في دمشق، بقسم تحت الأرض يسمى “الجناح السادس” وهو خاص بالمسجونين السياسيين”، وهناك تم تعذيبها على يد “الملازم محمد”.
انتهت تجربة “م” في نهاية 2013 بصفقة مبادلة أسرى مع معتقلي النظام السوري، بعد أن قضت عليها محكمة بالإعدام الميداني.
في ذلك الوقت طلب منها الاستعداد للخروج من السجن بعد حكم المحكمة، وظنت أنه سوف يتم تنفيذ الحكم عليها بالإعدام، لكن فوجئت بمسلحين أتوا بسيارات لاصطحابها، وتوجهت إلى مسقط رأسها حيث تم استقبالها بحفاوة.
لكن في ذلك الوقت، أمرتها المخابرات بالمغادرة خلال 24 ساعة، وإلا سوف تعتقل مرة أخرى.
ذهبت إلى الأردن، ومارست نشاطها في “الاتحاد العام للمعتقلين والمعتقلات” واستمرت في تنظيم الحملات للوقوف إلى جانب المعتقلين، وأنتجت فيلم قصيرا عن فتاة كردية تعرضت للاغتصاب، وفيلما آخر عن فتاة أخرى من اللاذقية توفيت أثناء الاعتقال.
تركت الأردن، وذهبت إلى بريطانيا حيث تدرس حاليا صناعة الأفلام وتسعى لإكمال مسيرتها الثورية، وترغب في إنتاج أعمال باللغة الإنكليزية لتعريف العالم بمحنة السوريين.