في خطوة مفاجئة تشعل الجدل حول مستقبل السياحة في مصر، أعلنت ثلاث من أكبر شركات الطيران الخليجية عن تدشين رحلات مباشرة إلى مطار العلمين الدولي هذا الصيف، في محاولة لإنقاذ المشروع السياحي الذي كلف الدولة أكثر من 300 مليون دولار حتى الآن دون تحقيق النتائج المرجوة.
الخطوط الجوية القطرية وطيران الإمارات والخطوط السعودية قررت أخيراً دخول سباق العلمين، لتفتح الباب أمام آلاف السائحين الخليجيين والعرب، وسط تساؤلات حادة حول قدرة هذه الخطوة على إنعاش مدينة تعاني من فنادق شبه خاوية وأسعار خيالية تستبعد 98% من المصريين.
وتأتي هذه الرحلات الجديدة في وقت تواجه فيه العلمين انتقادات واسعة بسبب انخفاض معدلات الإشغال الفندقي، وتراجع أعداد الزوار مقارنة بحجم الاستثمارات الضخمة. فهل ستنجح شركات الطيران الخليجية في تحويل العلمين إلى وجهة سياحية حقيقية، أم أن الأزمة أعمق من مجرد زيادة عدد الرحلات؟
تواصل الحكومة المصرية التعويل على مدينة العلمين الجديدة كمشروع استراتيجي لتحويل الساحل الشمالي إلى مركز سياحي واستثماري عالمي، مع وعود بجذب ملايين السياح وزيادة الطاقة الفندقية بنسبة 50% خلال عامين لتتجاوز 15 ألف غرفة فندقية، مقارنة بـ10 آلاف غرفة حالياً. لكن الواقع يكشف عن أزمات هيكلية تهدد بتحويل المشروع إلى نموذج آخر من المشروعات العملاقة التي تبتلع المليارات دون عائد ملموس.
أرقام صادمة: مطار بمئات الملايين وفنادق خاوية
رغم تجاوز تكلفة مطار العلمين الدولي 300 مليون دولار، إلا أن متوسط عدد الركاب لا يتجاوز 200 راكب يومياً في ذروة الموسم، ما يعكس ضعف الجذب السياحي الحقيقي للمدينة مقارنة بحجم الإنفاق الحكومي. أما الفنادق الفاخرة التي تتباهى بها الحكومة، فلم تتخط معدلات الإشغال فيها 35% في الصيف الماضي، بحسب مصادر في القطاع، رغم الحملات الترويجية والمهرجانات الفنية والرياضية التي أطلقتها الدولة.
أسعار خيالية… وسياحة للنخبة فقط
تبدأ أسعار الإقامة في فنادق العلمين من 500 دولار لليلة الواحدة، ما يجعل المدينة وجهة حصرية لأقل من 2% من المصريين، بينما تبقى الأغلبية خارج دائرة الاستفادة من المشروع. هذا التوجه يعكس غياب رؤية حقيقية لتنويع المنتج السياحي وجذب شرائح أوسع من الزوار، في وقت تروج فيه الحكومة لخطط “تنويع الخدمات” دون معالجة جوهرية لسياسة التسعير .. فما السبب؟
اولا: فشل في تحقيق الاستدامة السياحية
الحكومة تروج لتحويل الساحل الشمالي إلى مركز سياحي طوال العام وليس فقط في الصيف، لكن الأرقام تكشف أن التشغيل الفعلي لا يتجاوز 3 إلى 5 أشهر سنوياً في المرحلة الحالية، مع وعود برفعها إلى 9 أشهر لاحقاً. هذا يعني أن الاستثمارات الضخمة تظل معطلة معظم شهور السنة، ما يطرح تساؤلات حول جدوى الإنفاق الحكومي في ظل غياب خطط جادة لتحفيز السياحة خارج الموسم.
ثانيا: أزمة تسويق وتخطيط
رغم تنظيم زيارات لسفراء العالم ومهرجانات كبرى في العلمين، إلا أن غياب استراتيجية تسويق رقمي فعالة، وعدم استهداف شرائح متنوعة من السياح، أدى إلى محدودية العائد، خاصة مع الاعتماد على السياحة العربية والخليجية فقط. كما أن غياب بنية تحتية متكاملة خارج المنتجعات الفاخرة يحد من قدرة المدينة على جذب الزوار لفترات أطول، ويجعلها رهينة لموسم الصيف وحده.
مستقبل غامض رغم وعود الحكومة
تستهدف الحكومة وصول عدد السياح إلى 30 مليون بحلول 2028، مع مضاعفة الطاقة الفندقية، لكن إذا استمر تجاهل معالجة أسباب ضعف الإشغال وارتفاع الأسعار، ستظل العلمين نموذجاً لمشروعات عملاقة بلا مردود حقيقي على الاقتصاد الوطني أو المواطن العادي. المطلوب اليوم مراجعة شاملة لسياسات التسعير، وتطوير بنية تحتية حقيقية خارج المنتجعات، وإطلاق حملات تسويق رقمية تستهدف الأسواق الأوروبية والشرائح المتوسطة من المصريين والعرب.
فشل مشروعات السياحة الفاخرة في مصر
العلمين الجديدة اليوم تقف عند مفترق طرق: إما أن تتحول إلى قصة نجاح حقيقية عبر إصلاحات جذرية، أو تبقى شاهداً جديداً على مشروعات حكومية ضخمة لم تحقق وعودها.