رب ضارة نافعة، هذا ما يمكن قوله بعد ردود افعال المصريين سواء المعارضين او المؤيدين لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، عقب تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي اقترح توطين فلسطينيي غزة في مصر.
الاعلامي المعارض الشهير محمد ناصر والذي يعد بمثابة عمرو اديب علي الجهة الاخري، خرج علي شاشة قناة مكملين التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، معلنا تأييده لرفض نظام السيسي المقترح الترامبي.
ليس محمد ناصر وحده بل كثير من حسابات المعارضين المصريين بالخارج اثنت علي بيان الخارجية المصري، ورفضها القاطع الدعوة إلى “تطهير” القطاع.
وزعم ترامب إنه يريد لفلسطينيي غزة أن يعيشوا في مكان خال من العنف، وإن القطاع كان بمنزلة الجحيم على مدى سنوات عديدة.
وأكد بيان لوزارة الخارجية المصرية، رفضها القاطع للمقترح الأميركي. وحرصها على ثوابت ومحددات التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، مشددة على أن القضية الفلسطينية تظل المحورية في الشرق الأوسط.
وأضاف البيان أن “تأخر حل القضية وإنهاء الاحتلال، مع استرداد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، يعد أساسا لعدم الاستقرار في المنطقة”، كما أعربت الوزارة عن دعمها المستمر لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه وتمسكه بحقوقه المشروعة، وفقا لمبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
ولا تعد فكرة تهجير أهل غزة وإعادة توطينهم وليدة اليوم، إذ كثر الحديث من جانب الاحتلال الإسرائيلي حولها بسيناريوهات وصيغ عدة، سواء كانت دائمة أو مؤقتة، حيث يعود تاريخ طرح الفكرة إلى زمن الرئيس المصري الراحل أنور السادات، مروراً بسلفه محمد حسني مبارك وحتى الآن مع الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، وقد قوبلت دائماً برفض فلسطيني ومصري.
وأُعيد تسويق الفكرة أخيراً، لا سيما في إطار خطة “صفقة القرن” التي جاء بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، والتي كانت تنص على توطين اللاجئين الفلسطينيين في دول اللجوء مقابل حوافز اقتصادية ومادية كبيرة لتلك الدول.
واليوم، يعود ترامب مرة أخرى بطرح خطة وصفت بـ”الخبيثة” ترتكز على نقل سكان غزة إلى مصر والأردن من أجل إعادة الإعمار، واجهها رفض وإدانة لهذا المقترح، وتزامنت مع زحف كبير لسكان شمال القطاع الذين عادوا إلى مناطقهم المدمرة ويحدوهم الأمل في تعميرها.
وأكد وزير الخارجية المصري الأسبق محمد العرابي قدرة مصر على إفشال مخطط ترامب، من خلال بناء جبهة إقليمية ودولية رافضة للمقترح، وأشار إلى أن هذا المخطط يمثل تهديدا لاستقرار المنطقة الهش، مما يمنح مصر ورقة ضغط أساسية لإحباطه.
وقال العرابي إن “مصر تعتمد على رفض الأردن والفلسطينيين لهذا المخطط، مع تمسك الفلسطينيين بأرضهم، وهو ما ظهر بوضوح في عودتهم إلى شمال غزة وإصرارهم على الدفاع عن حقوقهم الوطنية، بما يعزز موقفهم الرافض للخطط الأميركية التي تخالف القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة”.
وأضاف أن “الفلسطينيين ليسوا مهاجرين يمكن ترحيلهم كالمكسيكيين خارج أميركا، بل هم شعب يناضل من أجل حقوقه، هذه ورقة قوية يمكن استغلالها لإفشال المخطط الأميركي، خاصة في ظل التضحيات الكبيرة التي قدمها الفلسطينيون خلال الأشهر الـ15 الماضية”.
وأكد الوزير الأسبق قدرة القاهرة على التصدي لهذه المخططات، مشددا على أن مصر رفضت مرارا كل محاولات تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية.
من جهته يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني جهاد أبو العيس أن تصريحات ترامب “لن تتحقق”، مضيفاً: “القصة ليست لعبة بلايستيشن يتم الفوز بها بضغطة زر، لقد فشل ترامب طوال 4 سنوات هي فترة رئاسته الأولى في تطبيق ما سمي بصفقة القرن وفي تطويع الفلسطينيين”.
ويضيف :
– ترامب فشل في فرض التطبيع، وفي منع دخول المهاجرين من المكسيك، وفي وضع قواعد جديدة في بحر الصين، وكل ما سبق سبقه وعيد وتهديد ووعود وعين حمراء.
– أعتقد أن ترامب ما زال يعيش نشوة الفوز الكبير على الرجل الهرم جو بايدن، وما يزال الأدرنالين مرتفعاً والتصفيق في ذروته، لكن كل ذلك يختلف حين ننزل للحقيقة والواقع حين تصطدم التصريحات مع التعقيدات.
– رفض كل من مصر والأردن التصريحات على الرغم من أن البلدين حليفان للولايات المتحدة، ما يعني أن ترامب لا يعي ما سيحدث من ارتدادات خطرة على واقع ومستقبل دولتين تعدان من الحزام القوي للسياسة الأمريكية في المنطقة، واستقرارهما مسألة حساسة لـ”إسرائيل”.
– المطلوب أن تصر القاهرة وعمان على موقفهما الرافض، وأن تكثفا من المساعي الدبلوماسية لدفع ترامب لترك هذه الأفكار المجنونة.
– إن ما يجري يعطي دلالة واضحة على أن كونك حليفاً للولايات المتحدة فهذا لن يحميك من أن تكون يوماً ما ضحية لها.
– والخلاصة هي أن الشعب الغزي نجح في رهان الصمود على أرضه، والباقي على كل الدول التي تركته وحيداً يواجه المشروع الإسرائيلي.
بدوره يرى المحلل السياسي ناصر الخطري أن خطة تهجير الفلسطينيين تعد جزءاً من رؤية ترامب للشرق الأوسط ضمن “مفهوم الإبراهيمية والتطبيع، وتوسيع حدود الاحتلال الإسرائيلي”.
لكنه مع ذلك يقول : إن هذه الخطوة “محاولة بائسة للقفز على الواقع الجيوسياسي الذي تشكل بعد الطوفان (عملية طوفان الأقصى)”، مضيفاً: “فرص إمكانية إنعاش التهجير بالسياسة ضئيلة بعد فشل فرضه عبر الحرب التي شاركت فيها جيوش العالم بالأسلحة والاستخبارات واستخدمت آلاف الأطنان لدكها، فيما نرى سكانها يعودون إلى شمالها المدمر وهم فرحون”.
وأكمل: “ترامب ورث تحديات كثيرة، لكن التحدي الأكبر هو في طريقة تفكيره، حيث يرى أن أزمات العالم بكل تعقيداتها فرص يمكن استثمارها”.
وتابع: “يظن أن كثيراً من المسائل السياسية التي لا تحلها السياسة يحلها المال، وأن السيسي سيقبل مقابل حفنة من الدولارات، لكنه لا يعلم أن المشكلة ليست في السيسي، بل في الفلسطيني الذي يحكمه ميراث مؤتمن عليه بأنه لن يغادر أرضه مهما حدث، وأنه متشبث بها”.
تصريحات ترامب وضعت بوادر أزمة بين الإدارة الأمريكية ونظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي تميزت علاقتهما في الولاية الأولى بالتقارب الشديد، حيث حظي السيسي فيها بدعم غير مسبوق بعد فترة توتر شهدتها العلاقات خلال عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.
وقالت مصادر مطلعة لـ«القدس العربي» إن الاقتراح الأمريكي يتضمن أن تسمح مصر بدخول نصف مليون فلسطيني من أهالي القطاع، ينتشرون في الداخل ولا يتركزون في سيناء، وهو ما ترفضه مصر.
ويختلف المقترح الأمريكي، عن ما سبق وطرحه ترامب في ولايته الأولى ضمن صفقة القرن، وهو نقل مسؤولية القطاع، مقابل امتيازات اقتصادية واسعة، منها إقامة منطقة صناعية كبيرة بتمويل خليجي داخل الحدود المصرية بين سيناء وغزة، وتكون الأولوية لسكّان القطاع للعمل بها، على أن يتضمن ذلك إقامة للعاملين.
ودخلت القاهرة في علاقات استراتيجية مع واشنطن منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، مع توقيع مصر معاهدة السلام مع الاحتلال الإسرائيلي المعروفة بـ«كامب ديفيد» وتخلي مصر عن علاقتها بالاتحاد السوفييتي، لتبدأ القاهرة مرحلة جديدة مثلت فيها أحد حلفاء أمريكا في المنطقة، وهو الأمر الذي ترفضه المعارضة وتصفه بـ«التبعية».
وتمثل المساعدات الأمريكية لمصر، إحدى الأوراق التي سيحاول ترامب اللعب بها في إطار الضغط على مصر لتنفيذ مخططه، في وقت لم يتزحزح الموقف المصري منذ بدء العدوان عن رفضه أي محاولة لتهجير الفلسطينيين، وهو الأمر الذي اعتبره خطا أحمر غير مقبول تجاوزه.
والمعونة الأمريكية لمصر هي مبلغ ثابت سنويا تتلقاه مصر من الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1978، حيث أعلن الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جيمي كارتر، تقديم معونة اقتصادية وأخرى عسكرية سنوية لكل من مصر وإسرائيل، تحولت منذ عام 1982 إلى منح لا ترد بواقع 3 مليارات دولار لإسرائيل، و2.1 مليار دولار لمصر، منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية.
وبعد ساعات من تصريحات ترامب، أكدت مصر تمسكها بثوابت ومحددات التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، مشددة على أنها تظل القضية المحورية في الشرق الأوسط، وأن التأخر في تسويتها وفي إنهاء الاحتلال وعودة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني، هو أساس عدم الاستقرار في المنطقة.