أصدرت المرجعية الروحية للطائفة العلوية في سوريا، بقيادة الشيخ غزال غزال، بياناً قوياً يحذر من منظومة إرهابية تسعى لتفتيت المجتمع السوري، مطالبة بتدخل دولي عاجل وإقامة نظام سياسي لا مركزي أو فدرالي في البلاد. جاء البيان في سياق التوترات المتزايدة والانتهاكات المستمرة بحق المدنيين في سوريا، والتيً خطيراً خلال عام 2025.
تفاصيل البيان والمطالب الأساسية
أكد الشيخ غزال غزال، رئيس المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر، في بيانه الأخير رفض الطائفة العلوية الاعتراف بلجان التحقيق الحالية ونتائجها، واصفاً إياها بأنها “أداة لتجميل الجرائم والتغطية على الفاعلين”. وشدد البيان على أن الطائفة تواجه “منظومة إرهابية تسعى لتفتيت المجتمع السوري وتبرير العنف باسم الدين”.
وتضمنت المطالب الرئيسية للمرجعية الروحية:
إقامة نظام سياسي لا مركزي أو فدرالي يستند إلى دستور توافقي يُرضي جميع المكونات السورية
الإفراج عن المعتقلين ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم والمجازر
تشكيل لجان تحقيق مستقلة في الانتهاكات بحق المدنيين
تدخل دولي عاجل لوقف الانهيار ومنع تهديد وحدة الجغرافيا السورية
السياق التاريخي للانقسام العلوي
شهدت الطائفة العلوية في سوريا انقساماً حاداً في التمثيل السياسي والديني منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024. وبرز هذا الانقسام جلياً في يونيو 2025، عندما شكّل ممثلون عن المجالس العلوية في محافظات دمشق وحماة وحمص واللاذقية “هيئة تشاورية للطائفة العلوية” في اجتماع موسع بمدينة حمص.
رد الشيخ غزال غزال بشدة على هذا التحرك، معتبراً إياه “انحرافاً عن المسار” واتهم القائمين عليه بـ”بيع القضية والتنكر لدماء الشهداء والمعتقلين”. وأعلن في بيان مكتوب بخط اليد عزل رؤساء المجالس الدينية الأربعة المشاركين في اللقاء.
المطالب بالحكم اللامركزي والفدرالي
تأتي دعوة المرجعية الروحية للطائفة العلوية لإقامة نظام لا مركزي أو فدرالي في سياق مطالب مماثلة من مكونات سورية أخرى. وقد أشاد الشيخ غزال غزال في وقت سابق بـ”وحدة الأكراد” ودعا إلى تطبيق نموذج مشابه للعلويين، قائلاً: “أتوجه بدايةً بالمباركة والتهنئة إلى أشقائنا من الشعب الكردي، مثمّنين وحدة كلمتهم، وجمع شملهم”.
ومع ذلك، تواجه هذه المطالب رفضاً قاطعاً من الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، التي تتمسك بمبدأ “سوريا واحدة، جيش واحد، حكومة واحدة”. وأكد المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا أن “موقف الجمهورية العربية السورية واضح… أما بالنسبة لموضوع التقسيم والفدرلة فموقف الجمهورية العربية واحد وهي ضد هذا الطرح”.
الأوضاع الأمنية والانتهاكات المستمرة
تشهد سوريا منذ بداية عام 2025 تصاعداً في الانتهاكات وأعمال العنف، خاصة في المناطق ذات الكثافة العلوية. وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 157 مدنياً في مايو 2025 وحده، بينهم 20 طفلاً و11 سيدة. كما سجلت الشبكة 157 حالة اعتقال تعسفي في الشهر نفسه.
وشهدت اشتباكات آذار 2025 في الساحل السوري مواجهات دامية بين الحكومة الجديدة وما وُصف بـ”فلول النظام السابق”، مما أدى إلى سقوط مئات الضحايا. استجابت الحكومة السورية بتشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في هذه الأحداث.
المطالبة بالعدالة الانتقالية والمحاسبة
يأتي مطلب المرجعية الروحية للطائفة العلوية بمحاسبة المسؤولين عن الجرائم في سياق جهود أوسع لتحقيق العدالة الانتقالية في سوريا. وقد شكّلت الحكومة السورية في مايو 2025 الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية برئاسة عبد الباسط عبد اللطيف، إلى جانب الهيئة الوطنية للمفقودين برئاسة محمد رضا جلخي.
ورحبت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا بهذه الخطوات، معتبرة إياها “خطوة أساسية نحو كشف الحقيقة”. وأكدت اللجنة أنها “تتطلع إلى المشاركة في تحقيق العدالة وجبر الضرر وعدم التكرار لجميع الضحايا”.
الإفراج عن المعتقلين والجهود الإنسانية
تُعد قضية الإفراج عن المعتقلين من أبرز المطالب التي تؤكد عليها المرجعية الروحية للطائفة العلوية. وقد شهدت الأشهر الأولى من عام 2025 حملات إفراج محدودة، حيث وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الإفراج عن 123 شخصاً من مراكز الاحتجاز المختلفة في مايو 2025.
وكشفت تقارير حقوقية عن وجود أكثر من 135,000 معتقل تعسفي في سوريا خلال فترة نظام الأسد، مما يجعل قضية الإفراج عن المعتقلين تحدياً هائلاً أمام السلطات الجديدة. وقد أكدت وزارة الخارجية السورية التزامها “بضمان العدالة للضحايا ومحاسبة المسؤولين عن انتهاكات النظام السابق”.
التحديات الأمنية في السويداء ودرعا
تزامن إصدار البيان مع تصاعد التوترات في محافظة السويداء، حيث شهدت المنطقة اشتباكات عنيفة منذ 12 يوليو 2025 بين مجموعات درزية ومسلحين من العشائر البدوية. وأفادت التقارير بسقوط أكثر من 814 قتيلاً وأكثر من 903 جريحاً في هذه الاشتباكات.
استغلت إسرائيل هذه التوترات لشن غارات جوية على مواقع حكومية سورية، مبررة ذلك بـ”حماية الطائفة الدرزية”. وقد حذرت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا من أن “أي تدخل لدولة ثالثة قد يؤدي إلى اتساع رقعة النزاع”.
الموقف الدولي والجهود الديبلوماسية
تحظى مطالب المرجعية الروحية للطائفة العلوية بالتدخل الدولي بتأييد من منظمات حقوقية دولية. وقد أكد باولو سيرجيو بينيرو، رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، أن “حكومة تصريف الأعمال والسلطات السورية المستقبلية لديها فرصة لرسم مسار جديد”.
وعلى صعيد العقوبات الدولية، قدم النائب الأمريكي مايكل لولر مشروع قانون بعنوان “المحاسبة على العقوبات بسوريا 2025″، والذي يهدف إلى مراجعة القيود المصرفية ووضع شروط لرفع قانون قيصر.
التعاون الدولي في قضايا العدالة
أعربت وزارة الخارجية السورية عن ترحيبها بالجهود الدولية لتحقيق العدالة، خاصة “الجهود الحثيثة التي تبذلها كل من هولندا وكندا أمام محكمة العدل الدولية من خلال المذكرة المقدمة في القضية المتعلقة بتطبيق اتفاقية مناهضة التعذيب”.
وأكدت الوزارة أن الحكومة الجديدة “ستعمل بتعاون وثيق مع هولندا وكندا لضمان تحقيق أهداف هذه القضية”، مشيرة إلى وجود “مجلدات ضخمة من الأدلة التي توثق التعذيب المروع والانتهاكات الوحشية الأخرى التي ارتكبت تحت حكم نظام الأسد لعقود”.
التحديات المستقبلية والحلول المطروحة
تواجه سوريا تحديات معقدة في المرحلة الانتقالية، خاصة فيما يتعلق بتوحيد المكونات المختلفة تحت إطار سياسي واحد. وقد حذر خبراء من أن “معظم السوريين لا يوافقون على نظام الحكم الفدرالي في سوريا لما له من تبعات وتعقيدات كبيرة جداً”.
مع ذلك، يرى بعض المحللين أن “انتقال سورية إلى نموذج لامركزي قد يكون ممكناً، لكن فقط حين تصبح الدولة المركزية قوية، وحين يصبح تدخل الأطراف الإقليمية الداعية إلى التقسيم هامشياً أو غير فعال”.
دور الأمم المتحدة والمنظمات الدولية
تلعب الأمم المتحدة دوراً محورياً في دعم عملية العدالة الانتقالية في سوريا. وقد منحت حكومة تصريف الأعمال السورية للجنة التحقيق الدولية “إمكانية الوصول الفوري إلى سوريا”، مما أتاح فرصاً لإجراء مناقشات حول قضايا حقوق الإنسان.
وأشارت تقارير الأمم المتحدة إلى أن “المحاسبة مفتاح العدالة”، مؤكدة على ضرورة أن يحدد الشعب السوري “الخطوات التي سيتخذها في المستقبل، والتي يمكن أن تتخذ أشكالاً متعددة، بما في ذلك كشف الحقيقة، والبحث عن المختفين، والإصلاحات، وعمليات المساءلة”.
